آن أوان قطع الرجاء من هذا الوسط السياسي… فهل يُجنى من الشوك العنب؟

آن أوان قطع الرجاء من هذا الوسط السياسي… فهل يُجنى من الشوك العنب؟

من اليسير فهم عدم حرص سلطة، 25 جويلية، تحميل نفسها عناء أخذ عينات من أجساد، من غرق في البحر ممن حاول الهجرة سرا، إلى بلاد الكفرة رجاء نوال حظوة عندهم، عزّت على حكامهم توفيرها لهم، وتحديد هوياتهم حتى تسلمهم لذويهم لدفنهم وتقبُّل عزائهم فيهم، فيطوى الملف. ولكن آثرت هده السلطة دفنهم في مقابر “الغرباءّ” تخففا من حملهم، ومسارعة بطمس جريمتها، ذاك ما هداها إليه غباؤها.
ومن اليسير كذلك فهم قدرتها على تحمُّل جريرة التنكيل بأهالي الضحايا المكلومين وكل أهل جرجيس، بعصا البوليس والغاز المسيل للدموع، حين عبروا عن رفضهم لسلوك، هذه السلطة المتخلفة، معهم ومع أبنائهم الضحايا، والمطالبة بحقهم في الإنصاف وحسن الرعاية. فلا اعتبار عندها لكرامة منظوريها، ولا هي تأبه لتشويه صورتها التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية إلى أركان الدنيا السبعة، فهي صورة شوهاء بالأصالة.
وإنه لمن الأشدّ يسرا فهم جذل السلطة بعقد قمة الفرنكفونية في بلاد الإسلام والمسلمين، تونس، وإهدار المليارات في سبيل تحقيق أهدافها، وأهل جرجيس يتطلعون لليسير من تلك المليارات بالقمع والتنكيل، إذا لم يستح أحد وزراء الخارجية السابقين من الاعتراف أن “القمة تؤكد على أن الخيارات الأساسية التي انطلقت فيها تونس بعد الاستقلال هو عدم التنكر للثقافة واللغة الفرنسية”. فرد الجميل لفرنسا على “حمايتها لتونس” أقل واجباتها إذا كان رئيسها لم ير للاستعمار من محل فيما أجرمته فرنسا في تونس المنكوبة بمثل هكذا حكام.
وما الغرابة في أن يظل مسئولو صندوق النقد الدولي يعتصرون أعضاء وفود سلطة 25 جويلية منذ ما قبل شهر فيفري الفارط إلى غدِ، والسنة المالية أشرفت على نهايتها، ولم يتكرموا عليهم بعد إلا باتفاق أولي مع خبرائهم، على معلوم مهين، ولأربع سنوات قادمة، حتى يستجاب لشروط الصندوق دون اكتراث بما يعانيه أهل تونس جراء خضوع حكامهم لإملاءاته الظالمة، من ضنك عيش، وانسداد آفاق، إذا كان جملة الوسط السياسي لا يرى من حل للأوضاع التي أردوا البلاد فيها، إلا بمزيد الخضوع لكل شروط ذاك الصندوق المشؤوم، حدا بلغ بأحد وزراء الصناعة والتجارة أن يقر بعجزه وخنوعه فلا يخجل من قوله:” من يقول إننا نلهث وراء الاقتراض فليقدم لنا حلولا”.
وهل تجرأ أحد، ممن يدّعون حمل هم هذا البلد ويصرحون ليل نهار أن سيادة أهله خطّ أحمر، من أن يحول دون تحرك سفراء فرنسا وأمريكا وبريطانيا، خاصة، في بلدنا على هواهم أو أن ينكر عليهم خرقهم لكل الأعراف الديبلوماسية بحشر أنوفهم في أخص خصائصنا، ويجتمعون مع كل ناعق في الشأن السياسي، يساندون هذا ويحرضون ذاك على الآخر ويشترون الذمم، ويعدون ويمنون؟
فما العجب إن دفنت فلذات أكبادنا من أهل جرجيس عمّية في مقبرة الغرباء، أو ضربت وجوه وأدبار رجالنا ونسائنا بأيدي الشرطة من أبناء جلدتنا، إذا عبرنا عن غضبنا من سوء فعال النواطير الذين حمّلوا على رقابنا، أو عقدت مؤتمرات تثبيت فكر وثقافة المستعمر في ديارنا، خدمة لإستراتيجية ذاك المستعمر في صراعه الدولي مع القوى العالمية الباحثة عن دور لها في السياسة الدولية والموقف الدولي، إذا كنا لا نملك من أمرنا شيئا، ورضي “حكامنا”، من الغنيمة على هذا الصعيد برضا الأسياد؟
فهل القمة الفرنكفونية التي يتبارى الأتباع على نوال شرف عقدها في بلدانهم، أو صندوق النقد الدولي الذي بات يستطعم لذة إذلال من أسلموا إليه رقاب شعوبهم، بتمنعه على إسناد القروض الربوية إلا على شروطه المهلكة، أو السفارات المتبارزة حول التحكم في رقاب الذين ارتضوا مهنة إخضاع شعوبهم لإرادة أعداء الإنسانية، إلا بعض الوجوه البارزة، للاستعمار الجديد، الذي تربى، وتعلم، عملاؤه فينا، على أن لا يحركوا خطوة إلا على حسب ما رسم لهم، وأن لا يتوجهوا إلا إلى الوجهة التي حددت لهم، بعد أن وقع عزلهم عن أمتهم وعن فكرها وثقافتها وحضارتها، كالمرياع الذي عزل عن أمه قبل الرضاعة، حتى صار لا يتبع إلا من ألقم ثديه. فهل يرجو عاقل بعد ذلك فرجا مع هؤلاء، وقديما قيل: “إنك لا تجني من الشوك العنب” فلا تنتظر الشيء من غير أصله.
فأعجب العجب أن لا يرى الضمآن الماء الزلال، وهو أمامه، فلا يشرب. وأعجب من كل ذلك أن لا يرى المسلم أن الفكرة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام، هي سرّ حياته، فلا يتخذها قضيته. فلا خلاص لنا إلا باتخاذ العقيدة الإسلامية أساس وجهة نظر في الحياة، وأساس دولتنا، وأساس دستورنا، وسائر القوانين. فهي قيادتنا الفكرية، وهي عقيدتنا السياسية، نسوس بها أمرنا ونحملها خلاصا للبشرية بالدعوة والجهاد، وإلا فهو الشقاء والذل الذي لا يزول ولا يحول.
يقول الحق تبارك وتعالى: “وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ (127) “ـ طه ـ

CATEGORIES
Share This