أكثر من عقد على انطلاق الثورة في تونس, وحزب التحرير على العهد

أكثر من عقد على انطلاق الثورة في تونس, وحزب التحرير على العهد

أكثر من 10 سنوات مرّت على انطلاق الثّورة في تونس. تحرّرت الأصوات لتسقط دكتاتوريّة ظالمة جائرة جثمت على صدور التونسيّين لسنوات طويلة، على أمل أن تؤسّس لتونس جديدة تكون منطلقا لتحرّر الأمّة بأكملها، ودستورا جديدا ينص علىالتّحرّر من الاستعمار والانعتاق من هيمنته ليحقق الكرامة التي نادى بها الشعب، لكنّ الطّبقة السياسيّة العلمانيّة سرعان ما حادت بعد ذلك التاريخ عن تلك المطالب العليا وتطلّعات الشعب التونسي وأعادت البلاد تحت الارتهان للغرب وسارت بها بسياسات خرقاء جعلت من تونس وشعبها تحت الوصاية المباشرة للمستعمر.

 وبمناسبة إحياء ذكرى انطلاق شرارة الثورة التونسية، نزلت يوم 17 ديسمبر 2021 مجموعات مختلفة من أهل تونس إلى الشوارع والساحات العامة في العاصمة وفي مدينة سيدي بوزيد، ممثلين عن الأحزاب ومكونات مختلفة لتشترك أغلبها في الاحتجاج على الواقع المزري الذي تردت إليه البلاد بعد أكثر من عقد من الثورة. وضدّ كل من تسبب في مآسي الشعب التونسي من الغرب وعملائه والأنظمة الوضعية التي تحكم بغير ما أنزل الله.

وكان لحزب التحرير وقفات وفعاليات خاصة بهذه المناسبة، حيث ألقى شبابه كلمات خطابية في كل من العاصمة تونس وسيدي بوزيد وصفاقس وقابس..

أمّا السلطة القائمة في البلاد فلم تتخلّف عن عادتهافي الظّلم والعدوان، فقد سلّطت أعوانها لممارسة كل أشكال التضييق والمنع والقمع ضد شباب الحزب الذين تمّ إيقافهم أثناء أداء كلمات في عموم الناس واقتيادهم إلى مراكز التحقيق. ومنهم من أحالوه على القطب القضائي..

وقد سعت السلطة إلى تمييع التحركات الاحتجاجية وجعلها فلكلوراسنويا لتغيّب الشعارات المرفوعة ضدها والمنادية بذات المطالب التي رفعت في أول يوم من الثورة، وعلى رأسها شعار ” الشعب يريد اسقاط النظام”، فكالت بمكيالين،  وأمّنت فئة قليلة من أنصار الرئيس، بينما كان لحزب التحرير النصيب الأوفر من القمع والمنع والحصار المطبق على نشاطاته بغية إسكات صوت الحق، صوت التغيير الحقيقي والجذري على أساس الإسلام العظيم.

نظم الحزب في مقره في سيدي بوزيد ندوة سياسية بعنوان: الشعب يريد إسقاط النظام،تكلّم فيها الأستاذ محمد الأحمدي والأستاذ محمد الناصر شويخة:

بيّن الأستاذ محمد الأحمدي أن الطبقة السياسية برمتها غير قادرة على تحقيق المطالب الفعلية للثورة، وأنّ مكونات هذه الطبقة مرتبط جميعها بالغرب الاستعماري المتحكم في مفاصل البلاد. وأن ما آلت إليه الأوضاع في تونس ليس إلا نتيجة مباشرة لإلتفاف الغرب على الثورة عبر عملائه، بأساليب خبيثة، أبرزها نصب الموائد الحوارية بوجوه علمانية جعلت الصورة النمطية للثورة والحوار حولها يكون في قالب فكري غربي بحت, مع ضخ إعلامي مسموم ومتواصل, وتسليم قيادة البلاد لوجوه جديدة للإيحاء بأن التغيير قد تم فعليا, وبنشاط مكثف للسفارات الأجنبية وإنشاء الجمعيات وهيئات المجتمع المدني لترسيخ الثقافة الديمقراطية وبغية بث الحيرة ودفع الناس إلى ضبابية الرأي, وإلحاق التهمة بالإسلام وتشويهه, وإخراجه في شكل الفاشل عند الحكم, وتحويل ذكرى الثورة إلى مهرجان فلكلوري…

ما تطمح إليه جموع الناس إلصاق التهمة بالحكام دون النظام, لإنقاذه من المحاسبة.

وأكد الأحمدي أن التطلع إلى التغيير ما زال قائما في الأمة مادامت أسبابه قائمة،وأن العقيدة الإسلامية هي المعبر الحقيقي عن مطامح الأمة وتطلعاتها، وهو ما يجعل ساسة النظام الديمقراطي أقل بكثير من أن يحققوا مطالب الثورة ويحققوا أهدافها.وحزب التحرير بما أعدّه من مشروع دستور للحكم وفق ما تقتضيه وتفرضه العقيدة الإسلامية ومن قادة مخلصين لله ولرسوله ولأمته ما يجعلهم المؤهل الوحيد للذهاب بالأمة ومعها نحو أسمى مطامح الأمة وأولى أهداف الثورة، ألا وهو إسقاط النظام الغربي الاستعماري وإرساء نظام الإسلام العظيم حكما راشدا.

أمّا الأستاذ محمّد النّاصر شويخة فقد انطلق ممّا انتهى إليه الأستاذ الأحمدي مركّزا على نقطتين:

الأولى: أنّ الإسلام وحده هو الذي يُنقذ البشريّة من الطّغيان والظّلم، وقارن بين دولة الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي دامت 10 سنوات وبين ثورتنا التي تجاوزت 10 سنوات، ففي ظلّ حكم الإسلام وبإمكانيّات بشريّة ضعيفة استطاع المسلمون أن يؤسّسوا دولة عظيمة صارت الدّولة الأولى في العلم وأسقطت امبراطوريّتين عظيمتين، أمّا في تونس فبعد مرور 10 سنوات نجد أنفسنا تحت وصاية استعماريّة صريحة لأنّ السياسيين أعرضوا عن الإسلام وأصرّوا على التّبعيّة الذّليلة للغرب. وفي هذا السّياق قد يتذرّع المتذرّعون بخرافة موازين القوى وتبدّل العصر، فبيّن الأستاذ محمّد النّاصر أنّ موازين القوى في عصر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كانت شديدة الاختلال، فالعرب لم يكونوا إلا قبائل متفرّقة متناحرة، ودولة المدينة التي أنشأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت صغيرة بلا إمكانيّات تقريبا أمام ضخامة الإمكانيّات أموالا وجيوشا وأسلحة التي تتوفّر للفرس والرّوم في ذلك الوقت. فالمسألة إذن ليست في موازين القوى كما يزعم الجبناء والضّعفاء والخونة إنّما المسألة في الإرادة السياسيّة والهمّة العالية، في القرار، ذلك أنّ المستعمرين وعلى رأسهم الأمريكان قد عجزوا عجزا أمام المسلمين في كلّ مكان وقعت فيه المجابهة عجزوا في العراق وعجزوا في سوريا وعجزوا في إفغانستان، ولولا حفنة من الخونة ولولا تردّد المخلصين لكان التّخلّص من هيمنتهم وعربدتهم أقرب من ردّ الطّرف، والدّليل على ذلك الثورة نفسها التي هزّت العملاء، وما استطاع الغرب أن يفعل شيئا لولا السياسيين العملاء الذين أدخلوه مرّة أخرى وسلّموا له البلاد مرّة أخرى.

الثّانية: أنّ حزب التّحرير هو الحزب الوحيد اليوم الذي يعمل من أجل إقامة دولة حقيقيّة السلطان فيها للمسلمين والسيادة فيها للشرع، وبالتّالي فإنّ حزب التّحرير هو الحزب الوحيد الذي يمثّل تطلّعات جماهير المسلمين وهو الوحيد القادر على تجسيدها، وبيّن أنّ هذا القول لا يعني أنّ الحزب هو الذي سيستأثر بالدّولة بل على العكس من ذلك لأنّ الدّولة في الإسلام ليست دولة حزبيّة يستأثر بها حزب أو مجموعة أحزاب، بل الدّولة الإسلاميّة يكون السّلطان فيها للأمّة تختار من بينها من يكون رئيسا تبايعه ويتعهّد بأن يطبّق الإسلام، وهذا ما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الرّاشدون من بعده.

وعليه فإنّ الحزب يدعو المسلمين في تونس إلى السّير معه من أجل إسقاط النّظام العلماني، ويكون ذلك:

  • بأن يعلن الثّائرون الصّادقون مع الحزب البراءة من هذا النّظام العلماني ومن القائمين عليه

  • أن يعلنوا مع الحزب أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بما يعني أنّه لا طاعة لكلّ ما سيصدر من دستور وقوانين علمانيّة لأنّها من عند بشر ونحن قد أوجب الله علينا أن نطيع الله سبحانه وتعالى الذي أرسل لنا رسولا كريما وأنزل لنا شرعا لننقذ به أنفسنا وكلّ العالم من طغيان البشر وأهوائهم.

ومن الكلمات التي ألقاها شباب حزب التحرير في مدينة سيدي بوزيد, الكلمة التي نصها الآتي للأستاذ علي السعيدي:

بسم الله العظيم وبه أستعين،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

أيها الناس:

إنه لا يخفى على صاحب بصيرة أن الأزمة في تونس تزداد تعقيدا والحال يزداد بؤسا وعيش الناس يزداد ضنكا وحُكّام تونس الجدد كسابقيهم لا يملكون من أمرهم شيئا وأن الحاكم والآمر والناهي في البلاد هي السفارات والغرب وأذرعه الإستعمارية،فهي التي تفرض السياسات وتُحدد المسارات وترسم الخيارات،ثم يأتي دور الوسط السياسي المُرتهن، ليُنفّد القرارات غير عابئ بما يتجرّعُه الناس من مرارة العيش،وضنك الحال.

إن النظام الرأسمالي الديمقراطي كان ولا يزال سبب شقائكم وأسُّ بلائكموهو الذي جلب عليكم الهمّ والغمّ والمصائب والكوارثوالفقر والجريمة…، وسيتواصل إجرامه فيكم ما لم تتخلّصوا منه، فهاهي 11 سنة عجافا مرت عليكم فهل رأيتم فيها خيرا أو بصيص أمل؟

أيها الأهل:

لقد قمتم بإنجاز عظيم حين أطلقتم ثورة على الإستبداد وكنتم بذلك مفاتيح للخير في كل بلاد الإسلام ورفعتم شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”فهل سقط النظام، وهل زوال الأشخاص يعني زوال النظام؟

إن النظام ليس أشخاصا وإنما هو أفكار وقوانين تحكم علاقات الناس،وهي ذاتها لم تتغير لأنها كما كانت تفصل الإسلام عن الحياة،لا زالت على حالها،وكل الذي تغير ذهاب حاكم ومجيء آخر وما زادونا إلا رهقا.

فكيف تقبلون “بمجرم” أن يعيش بينكم وكيف تُقبلون على حلوله وقوانينه وبين أيديكم ما به تعُزّون وتسعدون،خصوصا وأنكم من أمة عظيمة ذات تاريخ عريق لها دين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،وتشريع من وحي رب العالمين، الذي إن اتبعناه سعدنا كما سعد الأسلاف في ظلال دولة الحق والعدل، الخلافة،التي غمرت الأرض بعدلها ونورها لأكثر من ثلاثة عشر قرنا،وإن رددناه فخيبة الدنيا وسوء المُنقلب في الآخرة والعياذ بالله.

إن استكمال ثورتكم لن يكون بمُجرد تغيير الأشخاص وانتخاب الرّجال النُّزهاء فقط بل لا بد من تغيير النظام العلماني بنظام الإسلام الذي ينبثق من عقيدتكم وسار بحسبه نبيكم صلى الله عليه وسلم (…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).

إن من بينكم “حزب التحرير” الرائد الذي لا يكذب أهله،هو منكم وإليكم،يسعى معكم لإحداث التغيير بإقامة دولة الخلافة،دولة الإسلام التي فرضها الله على المسلمين جميعا فخذوا بأيديه وغُذّوا السير معه تُفلحوا.

قال تعالى (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ونحشُره يوم القيامة أعْمى).

CATEGORIES
Share This