إلى وزير الشؤون الدينية: الحياد ليس حكما شرعيّا من الأحكام التكليفية الخمسة…

إلى وزير الشؤون الدينية: الحياد ليس حكما شرعيّا من الأحكام التكليفية الخمسة…

الخبر :

أكد وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم أن الوزارة ستقوم بإنهاء تكليف كل امام واطار مسجدي يثبت قيامه بتجاوزات بخصوص حياد المساجد ودور العبادة عن كل اشكال التوظيف والدعاية الحزبية.
وأضاف في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء يوم السبت 24 أوت على هامش اشرافه بسوسة على الندوة الإقليمية حول ” محورية دور الامام الخطيب في تعزيز نزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 ” أن الوزارة حرصت على وضع ضوابط شرعية وقانونية لتأطير الخطب المسجدية والمعالجة الآنية لكل خروج عن هذه الضوابط وعن الحياد السياسي والحزبي.

وذكر بان الوزارة قامت في اطار استعدادها للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بإعداد “ميثاق الإمام الخطيب ” الذي تم عرضه ومناقشته خلال لقاءات حوارية بمختلف الجهات بحضور عدد هام من الوعاظ والائمة الخطباء، مضيفا أنه يتم العمل حاليا على اعداد ” دليل مرجعي” سيساعد على تطوير الخطاب الديني والارتقاء به وجعله مساعدا على الاستقرار الاجتماعي في كل المناسبات وعلى طول العام.

التعليق:

قبل بيان وزارة الشؤون الدينية لـ” ميثاق الإمام الخطيب ” قد بيّن الله عزّ وجلّ ميثاق العلماء والخطباء الذين هم ورثة النبيء صلّى الله عليه و سلّم الذين ورثوا عنه  فضيلة العلم و شرفه وواجب التبليغ حيث يفول تعالى : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ آل عمران (187).

قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ: لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ..”، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أُلِجْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»،

إن وجود العلماء ضروري ومهم جدا في حياة المسلمين؛ لأنهم يحفظون المعارف المستنبطة من النصوص الشرعية ويستنبطون حلولا للمشاكل من النصوص، ولدورهم الكبير في فهم الأحكام وشرحها وبيانها للناس ليطبقوها ويستقيم حالهم بدين الله، وهذا هو دور العلماء الأتقياء الأنقياء الذين أخذوا على عاتقهم فهم الشرع الحنيف وتفهيمه للناس، ليبقى الإسلام حيًا في حياة الناس، فطوبى لمن عمل لآخرته قبل دنياه وبما جاء به كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

تزامنا مع الدعوة لحياد المساجد وخطباء الجمعة في موضوع الانتخابات نقول:

إنّ الانتخاب، هو وكالة ونيابة ، فالنائب في البرلمان وكيل ونائب عمَّن انتخبه، وكذلك الشأن بالنسبة لانتخاب رئيس الدولة الذي ينوب النّاس في تنفيذ الأحكام والقوانين، وإذا نظرنا في أعمال البرلمان، نجد في مقدمتها التَّشريع فيقومُ بِسَنِّ الدُّستُور والقوانينِ، وإذا نظرنا في أعمال السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الدولة سنجد في مقدمتها الحكم بغير ما أنزل الله، وكلُّ ذلك على أساس الدستور، ولا يخفى على ذي لبٍّ أنَّ دسَتور البلاد  في تونس هو دستور وضعي صاغته الدوائر الاستعمارية ولا صلة له بشرع الله سبحانه، بل يقوم على الديمقراطية والعلمانية التي تُجَاهِرُ بِأنْ لا حُكمَ للهِ في الشَّأنِ العَامِّ.

 وعليه فإنّ المشارك في الانتخاب سيُوكِّلُ أفراداً عنه يقومون بأعمال التشريع والحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وإذا نظرنا في هذه الأعمال سنجدها حراماً كلها؛ لأنَّها تقوم على الباطل، وهو إعطاء البشر صلاحية الحكم والتشريع من دون الله تعالى؛ لذا تحرُم المشاركة في هذه الانتخابات مطلقاً.

وعليه فواجب العلماء والخطباء بيان الأحكام الشرعية المتعلّقة بالموضوع الانتخابي على وجهها، وواجب عليهم أن يتصدّروا المنابر ويصدحوا بالحق، فلا وجه شرعيّا لحيادهم ولا أصل له في كتاب الله وسنّة رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم.

أيّها الوزير،

هذا الحياد الذي تدعو إليه الأئمّة الخطباء ليس حكما شرعيا تكليفيا يضاف إلى الأحكام الشرعية الخمسة حتى يرخّص لهم الاستناد عليه في سكوتهم عن بيان الحكم الشرعي على وجهه.

 إنّ الحياد الذي تدعو إليه أئمّة المساجد، ليس استجابة لقول الله تعالى أو لسنّة من سنن النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم، إنّما هو استجابة لضغوط العلمانيين الذين لا يطيقون سماع ذكر الله، ورضوخ لإملاءات الدّول الاستعماريّة الكافرة التي تحارب ديننا وتسعى لمحوه ومحو ذكره من الأرض،

ألا تدري أيّها الوزير أنّك بدعوتك للحياد تعطّل أهمّ أحكام الإسلام “الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر” ألم يأتك الحديث المرفوع عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَال: ” لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، فَلَيَسُومُنَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ لا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ ، وَلا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ.

 أيّها الوزير هذا قول نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وهو أحقّ بالاتّباع وهو حديث صريح يفنّد دعواك إلى الحياد بل يحذّرنا من خطرها، وخطرها جسيم خزي في الدّنيا ومهانة وأعظم منه غضب من الله لا طاقة لنا به. ألهذا تدعو أيّها الوزير؟؟ 

أيّها الوزير في هذه الانتخابات دعوات عريضة مناقضة لأحكام الله وأنت تدعو إلى السكوت عليها، أليس في هذا تكميم لأفواه الخطباء عن قول الحقّ وبيان أحكام الإسلام؟ أليس الساكت عن الحقّ شيطان أخرس؟؟

أيّها الوزير لا معنى لدعوتك للحياد إلّا القبول  بأن تكون الحاكمية لغير الله، وأنت من أعرف العارفين أنّ التشريع لا يحل أن يكون لأحد من العالمين بل هو لله وحده، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لا َيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، فكيف تقبل أنت أن تكون في صفّ المحاربين لدين الله وأحكامه، وكيف تطلب من العلماء عموما والأئمة الخطباء  على وجه الخصوص أن يقعوا في ما حرم الله سبحانه وتعالى وأن يكونوا عوناً وجزءاً مما يناقض ويعارض ما أمر الله سبحانه وتعالى به.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». (سنن ابن ماجه 51)

في هذا الحديث يحذرنا فيه الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حال نحن فيه، بأن يتخلّى العلماء عن واجب النذارة والتبليغ وبيان أحكام الشرع على الوجه الذي يرضي الله عزّ وجلّ ومقدّمين رضاه تعالى عن رضا من سواه، وإلاّ فسيُقدّم الجاهلون بشرع الله على أنهم أصحاب العلم، ويعرضون على أنهم هم الأتقياء الأنقياء وهم على النقيض من ذلك، فيفتون بغير علم، بل وبمكر وخبث لإضلال الناس، فيضلونهم وقد أضلوا أنفسهم باتباع الشيطان، فاختاروا أن يكونوا من حصب جنهم، التي وقودها الناس والحجارة والعياذ بالله.

اللهَ نسألُ أن يعيذنا من الضالين المضلين، وأن يفرج كرب الأتقياء الأنقياء من علماء الأمة، وأن يعجل بالفرج لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم آمين.

محمد زروق

CATEGORIES
TAGS
Share This