الأزمات المالية في النظام الرأسمالي والنظام الإقتصادي الإسلامي

الأزمات المالية في النظام الرأسمالي والنظام الإقتصادي الإسلامي

ملايين القتلى والجرحى والمشوهين خلفتهم الحروب التي قامت بها الأنظمة الرأسمالية، منها حربان عالميتان, فضلا عن الحروب الإقليمية والثنائية والقلاقل والإضطرابات والثورات الداخلية والفتن…

لم تقف ويلات الرأسمالية عند حد القتلى والمعاقين بل تجاوزتها إلى مئات الملايين من الجوعى والبؤساء…

أزمات النظام الاقتصادي الرأسمالي:

مرّ المبدأ الرأسمالي بأكثر من 120 أزمة مالية، وهذه بعض أحدثها:

*انهيار سوق نيويورك في ما يعرف بالكساد الكبير الممتد من 1929 إلى 1933.

*أزمة الدولار عام 1971 التي نتج عنها إعلان نكسون فك ارتباط الدولار بالذهب.

*أزمة الإقتصاد السويسري عام 1973 والتي تراجع فيها عدد الوظائف في قطاع الساعات من 100.000 إلى 13.000 وظيفة وانهيار قطاع البناء.

*أزمة سوق الأسهم الأمريكية عام 1987 عندما انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 23 بالمئة.

*أزمة مؤسسات التوفير والإقراض في أمريكا من 1989 إلى 1991 والتي بدأت بإفلاس عدة مئات من المؤسسات الصغيرة نسبيا المتخصصة بالقروض الشخصية العقارية.

*انفجار فقاعة الأسهم للأصول في اليابان من سنة 1989 إلى 1998 والمسماة بالعقد الضائع.

*الأزمة المصرفية في السويد عام 1992

*أزمة المكسيك نتيجة عمليات بيع كثيفة لسندات حكومية خاصة بالبيزو المكسيكي عام 1994.

*الأزمة المالية الآسيوية عام 1997.

*الأزمة الروسية المتمثلة بأزمة الروبل الروسي في شهر أغسطس عام 1998.

*انهيار سوق النازداك في نيويورك عام 2001.

*أزمة الأرجنتين عام 2001 حتى 2002.

   هذه أبرز الأزمات الحديثة الناتجة عن النظام الإقتصادي الرأسمالي وهي أزمات ضربت في الغالب الأغنياء  وحيتان المال الرأسماليين أما الفقراء فقد عاشوا في أزمة دائمية ضمن هذا النظام الذي لم يعط بالا للفقراء ولم يهتم برعاية شؤونهم.

مفاهيم تسببت في الأزمات:

اختصت الرأسمالية بعدة مفاهيم كان لها الدّورالأبرز في صنع الأزمات وتفاقمها وازدياد الفقراء فقرا على فقرهم ليغتني الأغنياء على حسابهم ،ومن هذه المفاهيم نذكر:

1/أن الدولة في النظام الرأسمالي حامية للحريات وليست راعية للشؤون

ذلك أن الدولة الرأسمالية هي دولة جباية بالأساس وليست دولة رعاية أما صناديق الرعاية, والضمان الإجتماعي فما هي إلا مساحيق وترقيعات لكل الثغرات التي تطرأ وتظهر في شكل مشاكل اقتصادية واجتماعية في حياة الناس، فالدولة لا تقلق بشأن فرد مات مريضا أو عاش عاريا أو افترش الطرقات العامة أو سكن المقابر…، الرأسمالية لا تهتم بتلك الفئة التي لا مأوى لها, وهي فئة مألوفة في بلاد الغرب وتعد بالملايين… وفي المقابل تولي اهتمامها بالذي يستحوذ على المليارات ويعيش حالة من الترف تصل به إلى قضاء حاجته في بيت خلاء مصنوع من الذهب.

2/مفهوم الندرة النسبية للموارد بالنسبة للحاجات

مفهوم أوقعهم في ضلالات وجعلهم ينشغلون بالبحث عن الموارد وتنميتها وتوفيرها وتكثيرها بينما غفلوا عن موضوع توزيع الثروة على الناس، فالرأسماليون يهتمون بزيادة الإنتاج حتى يفيض بينما لا يتمكن الفقراء من الحصول على حاجياتهم الأساسية لعدم اكتراث قوانين الرأسمالية بعدالة التوزيع.

3/أبقت الرأسمالية المال دُولة بين الأغنياء من النّاس

بقوانين بشرية جعلت المال حكرا بين أيدي مجموعة من النافذين والفاسدين المُفسدين من الناس, ومنعت الآخرين من أخذ حصتهم منه، تلك النظرة أدت إلى تمركز الثروة بأيدي الأثرياء ثم سنت الرأسمالية التشريعات وعقدت الإتفاقيات لتأمين مصالح الرأسماليين الكبار وفتحت الأسواق لمنتجاتهم ولاستثمار أموالهم فصارت نسبة قليلة من الأثرياء تملك جل الثروة في العالم ولم يقم النظام الرأسمالي بتفتيت ما تجمع من الثروة مرة أخرى وهذا يعني تراكم الأموال في أيدي الأغنياء وسحبها من الأسواق مما أدى إلى وجود أزمة مالية متكررة كل بضع سنوات لتعيد للمجتمع شيئا من التوازن ويتم هذا في العادة بطرد عدد من الأغنياء من مصاف الأغنياء وإفلاس شركاتهم.

4/قام النظام الإقتصادي الرأسمالي على الربا الماحق للمال,

فباعوا الديون وباعوا ما لا يملكون عشرات المرات، ذلك أن فكرة فتح البنوك لتخزين الأموال وتكديسها حرمت المجتمع من تشغيل هذا المال واستفادة الناس من ريعه فارتفعت نسبة البطالة يوما بعد يوم .

5/ أخطأوا في تقسيم الملكيات فجعلوها اثنتين:

الملكية الفرديّة وملكية الدولة. فحرموا الجماعة من ملكيتها وجعلوها لأصحاب رؤوس الأموال والشركات الإحتكارية, واخترعوا الإمتيازات فتم خصخصة ما يستخرج من باطن الأرض من ثروات وجعلت حكرا على حيتان المال.

6/الإحتكار من أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي:

ضَمِن هذا النظام للغني أن يزيد ثروته ويحتكرها ويمنع المجتمع من تشغيلها والانتفاع بها, فاحتكار الثروة بيد “القوي” المتسلّط جعل أرزاق الناس وأرواحهم بأيدي فئة قليلة من الأغنياء الرأسماليين الذين يتحكمون في أسعار المواد حتى لو أدى الأمر إلى إتلاف الزائد في السوق أو حرقه أو إلقائه في البحر ليحافظوا على السعر….ومن الإحتكارات المعنوية ما ادعوه زورا وبهتانا “حقوق الملكية الفكرية”فضيقت حدود الإنتاج والانتفاع بالمعرفة المنتجة ومكنت الرأسماليين من التحكم في الأسواق ومنع غيرهم من صنع ما يصنعون.إن حفظ الملكية الفكرية يعطل مسيرة العلم والتقدم ويحد من نموه واستمراره.

7/العملة الورقية الإلزامية في النظام الرأسمالي من أكبر الأزمات:

فالتضخم وغلاء الأسعار نتيجة حتميّة لاستخدام العملة الورقية الإلزامية فضلا عن تحكم الدولة في ملكيات الناس برفع قيمة العملة أو تخفيضها والتلاعب بمقدرات الناس، وزيادة عن العملة الورقية كثرت المشتقات المالية كالأسهم والسندات ووجدت لها أسواق للاتجار بها مما أدى إلى خلق سوق وهمية ثم اخترعوا التأمين وصاروا يقسمون الإقتصاد قسمين: قسم حقيقي متعلق بتجارة الأعيان والمواد  وقسم وهمي متعلق بتجارة الأوراق المالية ومشتقاتها, وصار حجم الٌاقتصاد الوهمي يساوي عشرات أضعاف الإقتصاد الحقيقي، ومع أول صدمة ،انكشفت حقيقة الإقتصاد الوهمي فانهار دفعة واحدة كمن خر عليهم السقف من فوقهم.

كيف الخلاص وما هو الحل؟

عالج الإسلام مسببات الأزمة المالية من خلال العديد من التشريعات التي تمنع وجودها أصلا, فمثلا حرّم الرّبا وحدد الذهب والفضة كنظام نقدي وحيد, وحظر كنز الأموال وحصرها بيد فئة محدودة, وقسم الملكيات إلى ملكية فردية وملكية عامة وملكية دولة, فأبطل خصخصة الملكيات العامة, ومنع مشروعية الملكية الفكرية كما حصر الإسلام النشاط الإقتصادي ضمن حدود الإقتصاد الحقيقي فحرم البيوع التي لا يتم فيها التقابض ومنع تسييل الديون… إضافة إلى كل هذا, زرع الإسلام روح تقوى الله سبحانه وتعالى في سلوكيات الأفراد فتهذبت في الاتجار كما في العبادات وبقية المعاملات…

كل ما ذكرنا يأتي في إطار التعريف الصحيح للمسألة الإقتصادية بأنها توزيع الثروة وليس إنتاجها.

والضامن الوحيد لهذا التوزيع بل لتوزيع عادل يضمن إشباع حاجات جميع الأفراد، هو نظام منبثق من عقيدة روحية سياسية من وحي رب العالمين لا من وضع بشر، إنه نظام دولة الخلافة, فهي وحدها القادرة على إخراج العباد من ضنك الرأسمالية المتوحشة التي سامتهم الهون والعذاب، إلى حياة كلها رفعة وسعادة ورفاه وطمأنينة وأمن وأمان.

 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون.

علي السعيدي

CATEGORIES
TAGS
Share This