السير وفق السياسات الغربية ديدن حكام تونس

السير وفق السياسات الغربية ديدن حكام تونس

بعد تهنئة الإتحاد الأوروبي حكومة هشام المشيشي، بمناسبة نيلها ثقة البرلمان، لم يتأخر رئيس الحكومة التونسية من التقاط رسالة المتحدث باسم الإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بيتر ستانو الذي عبر عن رغبة الاتحاد في العمل جديا مع الحكومة الجديدة، في إطار مواصلة التنمية المستدامة ومسار الإصلاحات، فبعد أسبوعين من تلك التصريحات، قال رئيس الحكومة خلال الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية المنعقدة، ليوم الاثنين 21 سبتمبر 2020، بوزارة الشؤون الخارجية، بأنه يتعيّن الشروع في تقييم شامل لاتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي وبلورة رؤية جديدة لعلاقات الشراكة بين الطرفين، إلى جانب العمل على استكمال مسارات التفاوض الثنائيّة الجارية كاتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق والشراكة من أجل التنقل واتفاقية السماوات المفتوحة.

حكومات تصريف أعمال، خادمة للمصالح الغربية

الغريب أنه لم يمضي عن نيل الثقة لحكومته من البرلمان سوى عشرين يوما، وهو ما يؤكد أن هذه الحكومات ليست سوى حكومات تصريف أعمال لا تملك من أمرها شيئ سوى تنفيذ السياسات الغربية التي تبقي البلاد مزرعة للدول الرأسمالية ومؤسساتها المالية، ولا يقتصر هذا الأمر على حكومة المشيشي، فقد سبقه في ذلك يوسف الشاهد الذي طار إلى بروكسل في شهر أفريل 2018 ووعد الاتحاد الأوروبي بتوقيع اتفاقية الأليكا قبل موفى 2019، وفتح الباب على مصراعيها لسياسات صندوق النقد الدولي الذي لا ينفك عن فرض املاءاته وشروطه المجحفة على تونس وأهلها من خلال وفوده التي لا تكاد تغادر البلاد.

حكومة الشاهد واملاءات صندوق النقد الدولي

فقد كان ”روذر بيورن” رئيس وفد صندوق النقد في عهد يوسف الشاهد لا يتوقف عن فرض سياساته على الحكومة، حيث أكد أن السلطات التونسية عبرت عن التزامها باتخاذ إجراءات مصيرية قبل مناقشة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي قرار منح تونس الموافقة على سحب تمويلات الصندوق، موصيا بضرورة اعتماد الحكومة بخطة جبائية ومخطط لإصلاح الوظيفة العمومية وتقليص دعم الطاقة وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي وتقليص عجز الميزانية.

وبناء عليه فان صندوق النقد لم يكتفي بما قدمته حكومة الشاهد من تنازلات مؤلمة لصالح الدول الاستعمارية وشركاتها الناهبة، كالتفريط في الثروات الطبيعية ووضعها في مناطق عسكرية مغلقة حتى لا ينغص على الاستعمار أثناء نهبه، وكالتفريط في الشركات العمومية لصالح القطاع الخاص بدعوى جلب الاستثمار الأجنبي، وكالضغط على الشعب بزيادة الضرائب وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية بدعوى تقليص عجز الميزانية، نعم لم يكتفي بذلك وبغيرها من الإجراءات، بل يطالب بقرارات مصيرية تتخلى فيها الدولة عما تبقى لها من دور للرعاية، فتلغي الدعم عن بعض القطاعات كالطاقة وتتخلى ولو جزئيا عن دعم الدينار، وهو ما أدى إلى غلاء الأسعار، وتدهور إضافي للمقدرة الشرائية وفي سعر صرف الدينار التونسي.

حكومة الفخفاخ واتفاقية كورونا

 أما رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ الذي بدأ حكمه بتوقيع اتفاقية كورونا مع صندوق النقد الدولي متبعا سياسة مزيد من القروض تؤدي إلى مزيد من الديون وإلى مزيد من الفقر، فقد صرح لجريدة المغرب الصادرة يوم 08 مارس 2020 بأن “حكومته ستنهي البرنامج الحالي مع صندوق النقد الدولي”. وهو يشير بذلك للقرض الممدد الذي تم إبرامه مع الصندوق أيام حكومة الحبيب الصيد ويقدر ب 2.9 مليار دولار، حيث تسلمت تونس منه خمسة أقساط مقابل سير الحكومات في توصيات (إملاءات) صندوق النقد الدولي، في حين امتنع الصندوق عن تقديم القسط السادس والسابع بسبب عدم التزام حكومة الشاهد فترة الانتخابات بتوصيات الصندوق ثم بسبب التعثر في تشكيل الحكومة الجديدة.

برنامج كورونا

 وأضاف رئيس الحكومة المستقيل في ذات اللقاء بأن حكومته “ستشرع في برنامج جديد تدافع فيه على مصلحة البلاد ولا تقبل بشروط لا تراعيها مع الالتزام بأن يكون هذا آخر برنامج مع الصندوق”. وهكذا كان حيث عقدت الحكومة اتفاقا جديدا مع صندوق النّقد الدّولي بحسب وزير المالية السابق نزار يعيش يسمى “برنامج كورونا” وتمكنت تونس من خلاله من الحصول على مبلغ يتجاوز 400 مليون دولار، أي حوالي 1.2 مليار دينار لينضاف إلى قائمة المديونية التي أثقلت كاهل البلاد وبلغت 84% من الناتج المحلي الخام.

صندوق النقد والشروط المجحفة

الجميع يعلم أنّ صندوق النّقد الدولي والبنك العالمي يستخدمان من طرف الدول الإستعمارية وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا لفرض الهيمنة الإقتصادية وبالتالي السياسية على الدول الضعيفة، وقد سمّاه كبار الاقتصاديين في العالم بالقاتل الاقتصادي وأنّ وظيفته الأساسيّة في العالم هي بسط النفوذ عن طريق الشروط التي يفرضها على الدّول، وهي غير قابلة للنّقاش أو التّفاوض، وقد يسمح الصندوق بإمهال الدّول مدّة من الزمن لتطبيق شروطه ولكنّه لا يسمح بتغييرها مطلقا، بدليل أنّه ألغى القسطين، السادس و السابع بسبب عدم الإلتزام الحكومة السابقة ببعض إملاءاته فترة الانتخابات.

وللعلم فان صندوق النقد لم يكتفي بما قدمته الحكومة التونسية من تنازلات مؤلمة لصالح الدول الاستعمارية وشركاتها الناهبة، بل يطالب بقرارات مصيرية تتخلى فيها الدولة عما تبقى لها من دور للرعاية، وسيغتنم أزمة كورونا لفرض شروط أقسى تؤدي إلى تدهور إضافي للمقدرة الشرائية وغلاء الاسعار وسيشهد الدينار التونسي تدهورا إضافيا في الأشهر القادمة.

حكومة المشيشي والدفع نحو اتفاقية الأليكا مع الاتحاد الأوروبي

واليوم سينطلق المشيشي في مفاوضات اتفاقية الاليكا، حيث يضغط الإتحاد الأوروبي منذ سنوات على تونس لتعميق اتفاق الشراكة من خلال اتفاق حر شامل مع الاتحاد الأوروبي يُعرف باسم «أليكا»، ويشمل الاتفاق تحرير قطاعي الزراعة والخدمات اللذين كانا خارج إطار التبادل الحر منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، وهذا الوضع سيمكّن الشركات الأوروبية من منافسة المؤسسات التونسية في مجالات حيوية على غرار الإنتاج الفلاحي والقطاع الصحي ومنظومة البنوك وقطاع الطاقة.

وحسب وثيقة وزعتها بعثة المفوضية الأوروبية في تونس، تهدف “اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق” التي شرع الجانبان التونسي والأوروبي في التفاوض في شأنها إلى “الحد من الحواجز الجمركية، وتبسيط وتسهيل الإجراءات الجمركية عبر تحرير تجارة الخدمات بضمان حماية الاستثمار وتقريب القوانين الاقتصادية في مجالات تجارية واقتصادية عدة” كما تهدف إلى وضع أسس فضاء اقتصادي جديد مشترك بين الاتحاد الأوروبي وتونس في إطار قانون اقتصادي مماثل لإطار الاتحاد الأوروبي.

وصاية أوروبية على تونس

ويجدر التذكير بأن تونس قبلت في مرحلة أولى بالتفاوض على أساس وثيقة العمل الأوروبية المُثيرة للجدل بسبب طابعها الاستعماري الذي يكرس الوصاية على الاقتصاد التونسي المتهالك واعتبار تونس مزرعة للاتحاد ينفذ خلالها سياساته دون مراعاة مصلحة الطرف الآخر، وهو ما تأكد أيضا من خلال الحديث الصحفي الذي أدلى به سفير الاتحاد الأوروبي بتونس إلى مجلة L’économiste maghrebine في عددها رقم 705 الصادر بتاريخ 8 فيفري 2017. فقد عكس هذا الحوار، لا فقط نزعة الجانب الأوروبي للتسريع بتوسيع منطقة التبادل الحر بل تدخله الواضح في الشؤون الداخلية السيادية للبلاد كهيكلة بعض وزارات السيادة، وغير ذلك من الملفات الحساسة كفرض اتفاقية سيداو والمساواة في الميراث وحرية المثلية وغيرها.

وتعكس تلك التصريحات سياسة الاتحاد الأوروبي إزاء تونس التي تتكامل مع سياسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمؤسسات المالية الدولية والأوروبية، التي تفرض على تونس الإصلاحات الكبرى ذات الصلة بالقروض المشروطة الممنوحة لتونس التي أعلنها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد.

الحصاد المرّ لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد

ويرتبط الاتحاد الأوروبي وتونس بـ “اتفاقية شراكة” وقعاها سنة 1995، وكانت تونس أول بلد جنوب البحر المتوسط يوقع مثل هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وبموجبها أقام البلدان منطقة تبادل حر تشمل فقط المنتجات المصنعة. وتتمتع تونس منذ نوفمبر 2012 بمرتبة الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي، في خطوة اعتبرها الاتحاد الأوروبي إشارة قوية على دعم الديمقراطية التونسية الناشئة، لكنها في حقيقة الأمر خطوة إضافية لمزيد إرباك اقتصاد البلاد المتعثر لان المنافسة بين الشركات التونسية والأوروبية غير متكافئة حيث ستنتفع هذه الأخيرة من منح في المجال الفلاحي على سبيل المثال.

وقد جرت الجولة الاولى للمفاوضات في شأن الإتفاق من 18 إلى 21 افريل 2016، وتلتها مفاوضات أخرى في 23 افريل 2018، لكنها لم تتمخض عن شيئ نتيجة الخوف من الانعكاسات السلبية التي ستصيب الاقتصاد والاحتجاجات التي قد تعصف بالدولة وحكامها، إذ أن نحو 55 في المائة من المؤسسات الصناعية الصغرى والمتوسطة تعاني من صعوبات اقتصادية، كما أن الاقتصاد المحلي فقد ما لا يقل عن 30 في المائة من موارده الذاتية؛ وهو ما جعله عرضة لسياسة التداين والاقتراض من الخارج.

وقد أشارت تقارير إلى إمكانية اضمحلال ما لا يقارب عن 40% من المؤسسات نتيجة هذه الاتفاقية نظرًا لعدم استعدادها لتحمل ضغط المنافسة للشركات الأوروبية لعدم التكافؤ في المستوى التكنولوجي والعلمي والحوافز المالية والإدارية لدى الطرفين.

وأشارت دراسة أنجزها المعهد التونسي للإحصاء (معهد حكومي) بالتعاون مع البنك الدولي، وصدرت نتائجها سنة 2013، إلى أن النسيج الصناعي التونسي فقد نحو 55 في المائة من مكوناته خلال الفترة المتراوحة بين 1996 و2010، وذلك نتيجة تنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقعة سنة 1995، وقدرت عدد فرص العمل المفقودة خلال الفترة نفسها بما بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل.

وتمثل قطاعات الجلود والأحذية والنسيج واللباس ومواد البناء وصناعة الخشب والموبيليا وصناعة البلاستيك، من أكثر القطاعات تضررًا في تونس نتيجة الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، جراء التوريد المكثف. وأدى تفكيك المعاليم الجمركية التدريجي على المنتوجات الصناعية الموردة من الاتحاد الأوروبي حسب العديد من التقارير، إلى فقدان ما لا يقل عن 24 مليار دينار (12 مليار دولار) للخزينة الوطنية في المدة المتراوحة بين سنة 1996 وسنة 2008 أي ما يعادل نصف المديونية للبلاد حاليًا.

كلمة الختام

إن الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي لن تزيد الاقتصاد إلا خرابا وشروطه لن نجني منها سوى استئثار الشركات الأجنبية بخيرات البلاد  وثرواتها، ولن تزيدنا إلا فقرا وتهميشا وخصاصة وبطالة وانسدادا للآفاق، ولن نجني منها إلا التضييق في الرزق والإضرار بالبيئة والأمراض المستعصية والقبضة الأمنية.

إن المطلوب للخروج من الأزمة الحالية هو التعويل على أنفسنا، ففي فترة الأزمات لا يحتاج الناس إلا لتوفير الغذاء والدواء، وهي أمور ممكنة، فثرواتنا الزراعية والبحرية وحدها قادرة على إطعامنا دون الحاجة إلى صندوق النقد وجرعاته المميتة، وقد أظهر عدد من المتخصصين والباحثين في بلادنا قدرتهم على تصنيع ما يلزمنا من دواء ومستحضرات طبية، ولكن المشكلة في النظام الرأسمالي الجشع وارتهان القرار السياسي بيد القوي الغربية.

وصدق الله العظيم عندما قال: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم.

د. الأسعد العجيلي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير بولاية تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This