“الشعب يريد” قناع سقط، وورقة توت كشفت عورات السلطة

“الشعب يريد” قناع سقط، وورقة توت كشفت عورات السلطة

شعار “الشّعب يريد” شعار به خاض “قيس سعيّد” حملته الانتخابية وبفضله حصد حصيلة غير مسبوقة من الأصوات قادته إلى قصر قرطاج. “الشعب يريد” شعار استعاره “قيس سعيد” من الذين خرجوا ثائرين على ظلم النّظام العلماني الذي فرضه المستعمرون ونفّذه المقبوريْن “بورقيبة” و”بن علي”. وكان لجموع الثائرين بعض ما أرادوا فقد رحل “بن علي” لكن الأوضاع لم تتغير بل ازدادت ترديا، لأنّ الاستعمار ظلّ متحكّما بواسطة فئة من محترفي السياسة العلمانيين الذين تمّ ترسيمهم في مناصب الحكم بواسطة انتخابات ديمقراطيّة مسبّقة الدّفع.

قيس سعيّد سقط قريبا من نفسه بعيدا عن الشعب وإرادته:

ما أراده الشعب لم يتحقق، بل نقيضه هو ما تحقّق ف”قيس سعيد” اختزل كل برامجه في ذلك الشعار، فأوهم أنه سيترجم إرادة الشعب على أرض الواقع، ولكنّه بعد أن وصل إلى الرئاسة وقع قريبا من نفسه بعيدا عن الشعب وعن إرادته. فما يريده الشعب معلوم غير مجهول فهو يريد العيش الكريم والتخلص من ربقة الظلم ويريد أن يشعر بالعزة ويعيش في ظل دولة لا ترتهن للقوى الاستعمارية، يريد دولة لا تمدّ يدها لتتسول حاجاتها الأساسيّة بينما ثرواتها منهوبة، يريد رجال دولة أعزّاء أقوياء لا مسؤولين تنحني رؤوسهم صاغرة تستجدي رضا الأوروبيين، هذا إجمالا ما يريده الشعب وهذا ما كان ينتظره من “قيس سعيد” الذي تمادى في ترديد “شعار الشعب يريد” حتى بعد استقراره في منصب الرئاسة.
ولم ينتظر الحالمون طويلا حتى جاءهم جواب قيس سعيّد من فرنسا حين حجّ إليه أو أعلن من هناك دون حياء: “فرنسا لم تحتل تونس إنما كانت توفر لها الحماية” وهذا ما لم يقله الفرنسيون أنفسهم. هكذا بدأ شعار “الشعب يريد” يتصدّع ليتبيّن للمخدوعين أنّه مجرّد قناع بدأ يسقط. ثمّ تتالت السقطات والعثرات:

  • التطبيع مع كيان يهود من الخيانة العظمى إلى شأن لا يعني الرئيس

الأمر الآخر الذي يريده الشعب هو تحرير فلسطين وقطع دابر “كيان يهود”، والرغبة ذاتها عبّر عنها “قيس سعيد” في حملته الانتخابية حين رفضعبارة “تطبيع” وقال يجب أن تعوض بعبارة الخيانة العظمى، ولم ينتظر المهلّلون لقيس طويلا حتى جاءهم ما يريده لفلسطين لما أقدمت الإمارات المتحدة على ارتكاب جريمة التطبيع مع “كيان يهود” إذ اعتبر ما حصل شأنا داخليا لا يهمّ إلا الإمارات، ولم يعتبرها خيانة، حين أكّد أنّه يحترم إرادة الدول، وهنا بدأ شعار “الشعب يريد” يخفت ويوشك أن يفقد بريقه.

  • من الاقتداء بعمر بن الخطّاب إلى السير على خطى ابن سلول:

كلما ظهر “قيس سعيد” وخرج للناس إلا وذكرهم بأن قدوته هو عمر الفاروق وأنه أحرص الناس على السير على خطاه ومن قبله السير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما جعل كثير من الناس يرون فيه البطل الهمام الذي سيعيد للإسلام أمجاده خاصة وأنه أردف أقواله بالمواظبة على أداء صلاة الجمعة كما يؤديها سائر المسلمين بعيدا عن البهرج الذي يرافق عادة أداء الرؤساء للصلاة كلما دعتهم الحاجة لذلك، وأظهر تشبثه بأحكام المواريث كما أمر بها القرآن الكريم ورفضه القاطع لتغييرها. ولكن حدث ما كشف الحقيقة وأسقط القناع عن بطل سلسلة “الشعب يريد” حين أعادت فرنسا إبراز حقدها المفضوح على الإسلام وجددت إساءتها لخير خلق الله وسيد الأنبياء وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم بزعامة سفيهها “ماكرون” مما جعل الأمة تنتفض نصرة لنبيها وقائدها ومنقذها صلى الله عليه وسلم وما المظاهرات التي خرجت من المحيط إلى المحيط إلا دليل على أنها أمة لا ترضى الدنية في دينها ولكن قيس سعيّد أثبت أنّه من فئة حكام الضرار الذين خذلوا الأمّة ووالوا أعدائها ومنهم فرنسا التي أثخنت في تونس وأهلها دمارا واستعمارا ومكرا كبّارا.

مرة أخرى انتظر المفتونون بـ”سعيد” موقفا، انتظروا خطابا أو بيانا شديد اللهجة ينتصر فيها لنبيّ الإسلام ويردّ على الحقود “ماكرون” كلامه ويتصدّى لتطاوله على الإسلام ورسوله، كما انتظروا من قبلأن يتصدّى للشركات الأوروبيّة ومنها الفرنسيّة الناهبة لثروات المسلمين والسفاكة لدمائهم. ولكنّ شيئا من ذلك لم يكن وابتلع قيس لسانه وغصّ به.

  • وزارة خارجيّة أم ملحق بسفارات المستعمرين؟

ويبدو أنّ الغضب الشعبيّ من فرنسا وتطاولها على نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، قد ألجأ السلطةفأصدرت وزارة الخارجية بيانا باهتا يقطر جُبنا وخنوعا وذلّا، إذ عبرت عن “استياء الدولة التونسية العميق من الحملة التي تقودها بعض الجهات (هكذا) باسم حرية التعبير والتي تستفز مشاعر المسلمين وتمس من الرسول صلى الله عليه وسلم”. وكأنّ البيان خرج غصبا عن السلطة جاء تحت وطأة الضغط الشعبي ولولاه ماتكلّمت وزارة الخارجية، فقد حرص البيان حرصا علىتجنب ذكر فرنسا أو أحد مسؤوليها، في مراعاة ظاهرة لمشاعر فرنسا (التي حمت تونس ولم تحتلها)، ولو سألت وزير الخارجيّة أو الرئيس سعيّد المسؤول الأوّل في تونس عن السياسة الخارجيّة لقالوا هي الحنكة الدبلوماسيّة والحكمة السياسيّة، فالسلطة في تونس تحاشت ذكر اسم فرنسا ووجهت لومها وعتابها لجهات، نعم “جهات”. كأنّ من أساء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجهول لم يُعلم ولم يظهر على شاشات الفضائيّات يعلن عداءه للإسلام ولرسول الإسلام وللمسلمين تصريحا لا تلميحا. وكأنّ الرئاسة التونسيّة ووزارة خارجيّتهاعمياء لا ترى وصمّاء لا تسمع، فلم تعرف الجهة التي نفثت سمومها دون أن تكشف عن اسمها، ولم تر أو تسمع سفيه فرنسا “ايمانويل ماكرون” يأمر بمواصلة نشر الرسوم المسيئة للرسول صلّى الله عليه وسلّم. كلّ الدّنيا رأت وسمعت إلا وزارة الخارجيّة ورئيسها المشرف عليها.

كل مسلمي العالم لعنوا فرنسا ورئيسها وكاد الحجر أن ينطق  ليلعن “ماكرون” وحاشيته إلا رئيس تونس فقد أخرسَ الجبن لسانه فصمت طويلا ثمّ تكلّم بل همس همسا خفيّا لا يكاد يبين عن طريق وزارة خارجيته فجاء البيان باهتا هو تأييد لفرنسا ورئيسها وإعلان تضامن مع فرنسا أكثر منه إعلان إدانة لشاتمي الرسول والإسلام، فقد نبّه البيان تلك “الجهات” إلى أنّ المسّ من الرسول يغذي نزعة التطرف والإرهاب، هذا البيان يفضح دخائل السّلطة رئيسا وحكومة (ويتبعهم كامل الطيف السياسي العلماني) إذ يوجّه الإدانة صريحة إلى المسلمين والإسلام، وإقرار بل دسّ خبيث بأنّ الإسلام مصدر للإرهاب، وبأنّ الإرهاب الذي تفشّى في العالم إنّما هو من فعل مسلمين. وهذا الكلام انخراط واضح فيما تشيعه فرنسا وأمريكا وكلّ العالم الغربي أنّ الإرهاب في العالم إسلاميّ، مع أنّ الحقائق الصّارخة تعلن نقيض ذلك، تعلن الحقائق أنّ ممارسة الإرهاب هي من فعل المخابرات الغربيّة وعلى رأسها المخابرات الأمريكيّة والبريطانيّة والفرنسيّة، فهذه قوى استعماريّة لمّا رأت بلاد المسلمين تتفلّت من بين أيديها تريد أن تتحرّر، بدأت تقوم بعمليّات إجراميّة ومن ثمّ تلصقها بمسلمين لتصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب، ولقد انكشفت هاته اللعبة وصار الجميع يعرف أنّ العمليّات التي تُسمّى إرهابيّة إنّما هي عمليّات مخابرات. نعم صار هذا الأمر معلوما إلا عند العملاء الذين انخرطوا في خدمة المستعمرين، وهذا ما لمسناه في بيان الخارجيّة التونسيّة انخراط مفضوح دفاعا عن المستعمر عن الغربيّ الذي شتم الإسلام ونبيّ الإسلام ووقوف ضدّ الأمّة ودينها ونبيّها.

هذا قامت به خارجية “قيس سعيد” تحت نظره وسمعه وبأمره.

  • وزارة الدّاخليّة تقف في جانب شاتمي الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

أما وزارة الداخلية فقد استنفرت عددا مهولا من رجالهاوحوّلت شارع الثورة (الذي مازالت تتوسّطه سفارة فرنسا) إلى ثكنة بوليس سخّرتهم ووفّرت لهم كلّ إمكانياتها لتمنع نصرة رسول الله، نعم هرعت جحافل البوليس من مختلف التشكيلات لتقمع وتبطش وتعتقل…

وزارة الدّاخليّة ومن ورائها الحكومة والرئاسة تجنّدوا يومها ليمنعوا وقفة رجال من تونس جاؤوا ليُسمعواسفيه فرنسا “ماكرون” ومن تعاطف معه وأيّده، ما يجب أن يسمعه ويُذكروه بما حصل لأسلافه حين حاولوا أن يتطاولوا على الإسلام ونبيّه. نعم لقد وقفت وزارة الدّاخليّة تصدّ وقفة عزّ تنتصر لكرامة الأمّة ودينها. ووقفت وزارة الدّاخليّة ومن ورائها الحكومة والرئاسة مع فرنسا مع شاتمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسخّرت من أبناء المسلمين جنودا في خدمة فرنسا.

ورغم المنع والصدّ فقد رفع الرجال أصواتهم بالحقّ تهزّ الشوارع هزّا وتزلزل أركان السفارة والوزارة زلزالا “قائدنا إلى الأبد سيّدنا محمّد” للتذكير بأنّ المهمّة لم تكتمل، إذ مهمّة الثورة التحرّرالكامل والحقيقي من نفوذ الكفار المستعمرين وإقامة دولة حقيقيّة، خلافة على منهاج النبوة تُحسن الرعاية، وتعيد للمسلمين هيبتهم بين الأمم وتُنسي سُفهاء الغرب وساوس الشيطان.

نعم تفرقت الجموع ولكن إلى حين، وسيبقى صدى الشعار قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد” يتردد في الأرجاء ويهزها هزا، أمّا شعار “الشعب يريد” فقناع سقط وورقة توت كشفت عورات السلطة رئاسة وحكومة وبرلمان.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This