المروجون للانتخابات القادمة: هذا مخاتل وذاك شاهد زور

المروجون للانتخابات القادمة: هذا مخاتل وذاك شاهد زور

تعد الانتخابات أو تكاد الحصان الأبرز الذي يراهن عليه النظام الديمقراطي فنجاحه من عدمه يقاس بطول الطوابير أمام مكاتب الاقتراع التي يقصدها الناخبون في يوم هو يوم الزينة لدى كهنة الديمقراطية وسحرتها. بيد أن ممارسة السحر وإرهاب بصائر وأبصار الناس يتم قبل ذلك اليوم أي خلال ما يعرف بالحملات الانتخابية والتي تسبقها موجة عارمة يطغى زبدها على جميع وسائل الإعلام وهو الدعوة لضرورة ووجوب المشاركة في الانتخاب, فالنجاح والفشل رهين عدد المسجلين في قوائم الناخبين وكل متخلف يعد من كارهي الخير للبلاد والعباد. كل ما يعنيهم هو الإقبال المكثف على التصويت ولا يهم إن كان الحائز فيها على نصيب الأسد خادما من خدم المسؤول الكبير وأحد عسس دولته الاستعمارية يبيت يحرس مصالحها على حساب مصلحة بلده ومصالح بني جلدته، هذا عندنا. أما في معاقل الديمقراطية في الغرب فالناخب والمنتخب على حد السواء همهم الأوحد هو حيازة أكبر قدر من الرفاه على حساب غيرهم من الشعوب, ومن يحقق لهم ذلك تزف له غالبية الأصوات. هذا وبما أننا نعيش هذه الأيام على وقع صخب التسجيل لانتخابات 2019 بشقيها الرئاسي والتشريعي والفرحة العارمة بعدد المسجلين  الشيء الذي دفع بالهيئة المستقلة للانتخابات إلى التمديد في فترة التسجيل وما يعنينا هنا هو كيفية تحفيز الناس على الإقبال على التسجيل والخطاب الموجه لهم لتحفيزهم وترغيبهم في إدراج أسمائهم في سجل الناخبين. وقد تجند لهذا فريقان الأول متمرس وله باع في مجال الدجل والاستخفاف بعقول الناس والثاني لم يسبق له دخول سوق نخاسة التي تباع فيها أوهام الديمقراطية بل هم كانوا من مناهضيها ورافضين لها.

المخاتلون

المخاتلة والكذب هما ركنان أساسيان في اللعبة الديمقراطية حتى أن مشعوذيها يعرّفون السياسة على أنها كذب ونفاق ومصب لكل ما هو قذر لهذا ترى اللاهثين خلف مغانم الحكم تكاد حناجرهم توشك أن تنفجر من شدة الصراخ أثناء نثرهم الوعود في الحملات الانتخابية وتكاد تصدقهم من شدة إتقانهم تقمص دور رجال الدولة فالعميل يشجب العمالة والارتهان للقوى الاستعمارية ويشدد على حتمية المحافظة على سيادة البلاد والذود على مقدراتها، والمرتشي يلعن الراشي والمرتشي, ويعدهما بالويل والثبور إذا تكرم عليه الناخبون بأصواتهم وأوصلوه إلى كرسي من كراسي الحكم, وكل هؤلاء طبعا يصبحون بين عشية حملاتهم الانتخابية وضحاها لا يهمهم إلا مصلحة الناس ولا شيء يسكن في قلوبهم غير حب البلاد ولا وجع يلم بهم إلا ما يعانيه الفقراء والجياع من آلام وجياع حتى أن كبيرهم الذي علمهم المخاتلة ذرف الدموع أنهارا أثناء حملته الانتخابية حزنا وكمدا على امرأة قال أنها لا تأكل اللحم منذ ثلاث شهور. ومن لا يؤمن بالله يتحول في الحملة الانتخابية إلى تقي ورع ولا يستدل في كلامه إلا بما قاله أو فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ويتخلى عن “ماركس” و”لينين” إلى حين انتهاء الحملات الانتخابية وبعدها يعود لسيرته الأولى كأن شيئا لم يكن. أما الآن أثناء فترة التسجيل فجميعهم يحمل الناس مسؤولية تغيير أوضاع البلاد والخروج بها من عنق الزجاجة. فلا تغيير بدون الإقبال بأرقام قياسية على الانتخابات وكأن هناك من هذه الوجوه من يملك البديل أو له برنامج يختلف عما سطره لهم المسؤول الكبير. فكلهم دون استثناء نشئوا في معبد الديمقراطية وظلوا عاكفين على هذا الصنم لا يبرحونه لطرفة عين وكلهم عناصر تابعين للطابور الخامس لا يحيدون ولن يحيدوا عنه قيد أنملة. نعم هم الآن يحملون الناس مسؤولية التغيير ولكن على الطريقة التي تخدمهم وتخدم نظامهم المتهاوي.

شهود الزور

بعد أن انطلت الحيلة على الناس في الانتخابات السابقة الأولى والثانية وصدقوا أن الانتخابات في ظل النظام العلماني الديمقراطي هي مركب النجاة والطريق إلى النعيم تغيرت نظرتهم إلى الانتخابات في ظل هذا النظام وتجلى ذلك بوضوح من خلال حجم العزوف على الانتخابات البلدية الأخيرة مما جعل كهنة الديمقراطية في الداخل والخارج يخشون من تكرار المشهد مع الانتخابات المقبلة خاصة أن شياطين الغرب أرادوا أن يجعلوا من تونس نموذجا يعممونه في صورة نجاحه على سائر بلاد المسلمين والنجاح يكمن في التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع أو بالأحرى التداول على تسليم البلاد لأعدائها بعد أن يختارهم الشعب للقيام بهذه المهمة ثم ذبحه وسلخه في انتظار انتخابات أخرى قد تبقي على نفس الجلادين أو تأتي بآخرين أمثالهم.

لقد توجسوا خيفة من أن تذهب جهودهم أدراج الرياح بعد أن أدرك الناس حجم كذبهم ومدى زيف نظامهم الديمقراطي وكانت كل المؤشرات توحي بأن العزوف سيكون كبيرا وأن النموذج التونسي بات على مشارف التلاشي التام. ولكن حصل ما لم يكن يتوقعه أحد من عبّاد الديمقراطية وخرج علينا فريق لم يكن يوما من دعاتها لا من قريب ولا من بعيد بل كان من مناهضيها ورافضيها جملة وتفصيلا, لا لشيء إلا لكونها نظام حكم وضعي صاغته أهواء بشر يشرعون من دون الله رب البشر. وقد اقتبس هذا الفريق من الخاتلين بعضا من ألاعيبهم ووعد بأن يقطع دابر المستعمر ويسترد الثروات المنهوبة ويطعم الجائع ويوفر الدواء للمريض, ويرد حقوق المظلوم ويحمي بيضة الإسلام, وهو يعلم علم اليقين أنه لن يقدر على ذلك  لعدة أسباب من أهمها أن قانون الانتخابات لا يسمح بوجود أغلبية مطلقة وإن حصل وفاز في الانتخابات وكان صادقا في ما وعد به سيكون سعيه بمثابة صرخة في وادي ولن يكون لسعيه وزنا ليجد هذا الفريق والوافد الجديد على مستنقع الانتخابات العلمانية يؤدي وضيفة شاهد الزور, فبدخولهم الانتخابات والدعوة للإقبال عليها يكون قد خدم الفريق الآخر وأنقذ حصانهم الذي يراهنون عليه كما أسلفنا الذكر من التعثر والسقوط وبالتالي سيتمكن من الوصول إلى خط النهاية لتفوز الديمقراطية ويواصل كهنتها استعباد الناس بموجب قوانينها وأحكامها. علما أن هذا الفريق الذي يختلف كليا مع الفريق الأول مرحب به بين صفوف العلمانيين والحداثيين فهو في هذه الحالة يكرس أهم ما تزعمه ديمقراطيتهم ألا وهو الحق في الاختلاف ما دام هذا الاختلاف لا يكون قائما على عدم الاعتراف بما جاءت به الديمقراطية ولو على مستوى الشكل, وهذا ما ينطبق على الفريق الذي رضي أن يكون شاهد زور ويكون عونا من حيث يدري أو لا يدري لزمرة فاسدة أنتجها نظام فاسد مفسد والأدهى والأمر من هذا كله كان كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا وخسر الدنيا ونسأل الله ألا يخسر الآخرة..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This