المشهد السياسي بالمغرب… “كش ملك”

المشهد السياسي بالمغرب… “كش ملك”

لا شك أن المتابع للشأن السياسي المغربي يدرك أن نظام المملكة المغربية يعيش هذه الأيام على إيقاع ساخن,على الرغم مما يبدو في ظاهره من تماسك وهدوء, ويبدو هذا جليا من خلال قراءة سريعة في خطاب الملك محمد السادس في مناسبتين الأولى: كانت في ذكرى عيد العرش بتاريخ30 جويلية 2017, والمناسبة الثانية كانت في ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 أوت 2017.

لقد كان موضوع خطاب عيد العرش موجها إلى الشأن المغربي الداخلي, و كان خطابا شديد اللهجة بل قد عده المتابعون والنقاد أشرس الخطابات الملكية منذ ثمانية عشر عاما, حيث توعّد فيه الملك محمد السادس السياسيين والمسؤولين الحكوميين دون استثناء بالعقاب الشديد حال بروز نتائج التحقيق حول وجود متورطين في تعطيل مشاريع اقتصادية بمنطقة الريف موطن انطلاق شرارة الهبة الشعبية ضد السياسات الملكية خاصة بعد مقتل بائع السمك محسن فكري.

هذا التهديد المباشر يفتح المشهد السياسي على سيناريوهات متعددة: منها حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة, أو إعفاء رئيس الحكومة كخيار ثان, أو إعفاء وزير أو أكثر من الحكومة الحالية كخيار ثالث, للمحافظة على كرسي الملك من باب امسح دم السكين في الحكومة و المسؤولين.

إن النّاظر إلى ما قدمه “أمير المؤمنين الديمقراطي” يدرك  مدى تنَصّل هذا الأخير من تبعات المحاسبة وذلك بجعل السياسيين وأعضاء الحكومة شماعة تعلق عليها جميع إخفاقات نظامه الملكي. كما يبرز من خلال الخطاب الملكي تكتيك “ارمهم بدائك وانسل” في محاولة عقيمة لتوجيه الناس إلى أن الكل فاسد ما عدا “مولانا الملك”. في حين أن الحقيقة السياسية تؤكد أن ما يعيشه المغرب وسائر البلاد الإسلامية إنما يكمن في النظام المستورد من الغرب.

من جهة أخرى فإن هذا الخطاب المتشنج يعكس وعي الحكام أنهم و نظامهم وكراسيهم إنما هم تحت الرمال المتحركة, وهذا  يؤكد بالضرورة قدرة الرأي العام على التحكم في مجريات المشهد السياسي لصالحه رغم ترسانة الحديد والنار والإعلام التي يستحوذ عليها حكام الجبر.

إذا “كش ملك” هي حصيلة لتراكمات الكفاح السياسي للأمة من أجل استرداد حقها في القرار والرعاية, مما دفع الملك محمد السادس إلى القيام بمناورة سياسية خبيثة تقتضي التضحية بأحد بيادق النظام (رئيس الحكومة- وزير- برلمان- إعلامي- رجل أعمال..) تحت غطاء اللعبة الديمقراطية والقانون الوضعي, وفي هذا إشارة أخرى إلى أن رأس العمالة في الدول التي تعيش “تحت الوصاية الغربية” يجب أن يبقى “بقرة مقدسة” محصنة دبلوماسيا ما دام يقمع شعبه ويسهل عمليات تهريب الثروة إلى الخارج, وهذه إحدى الضمانات التي يوفرها الغرب للعملاء والخونة في بلادنا.

كما نلفت النظر إلى أن الوسط السياسي في المغرب يدرك أن “أمير المؤمنين الديمقراطي” شريك لهم في جريمة القتل الجماعي للمغاربة, ورغم أنه أحرجهم أمام الرأي العام وحمّلهم فاتورة إخفاق النظام الملكي الوضعي إلا أن أحدا منهم لم يجرؤ على اعتلاء أعلى درجات الكفاح السياسي “كلمة حق عند سلطان جائر”, وهذا يؤشر إلى تعفّن الأجواء السياسية وانتشار رائحتها من الأمير إلى الوزير, بل إن رائحة التمويه والتضليل كانت ظاهرة في الخطاب, وقد قالت العرب قديما “أبخر من أسد” ولأن الوسط السياسي يدرك أن قانون الغاب هو المستحكم سياسيا لم يحاول محاسبة ملك الغابة “محمد السادس”, وقد كان حريا بالسياسيين بمقتضى ما يفرضه تحمل مسؤولية الشأن العام أن يكون الرد “سواكا حارا” فيه من الصراحة والجرأة والقوة والفكر ما يحفظ الدولة ويحفظ الناس وينتصر للحقوق والمظلومين, ولكنهم رضوا أن يكونوا مجرد أثاث وديكور يزيِّن المشهد السياسي, وهذا المشهد القاتم يعتبر إفرازا طبيعيا للمنظومة الرأسمالية المفلسة.

إذا “كش ملك” كابوس يحُط رحاله بالمغرب بعد أن أسقط عروشا أخرى في البلاد الإسلامية, وشدة هذا الكابوس جعلت المغرب يعيش صيف سياسيا ساخنا اهتز له عرش الملك وهو ما ينبئ بخريف سياسي شديد التقلب نرى فيه مزيدا من أوراق التوت المتساقطة.

 وفي الأخير نقول إن خطابات “أمير المؤمنين الديمقراطي” لم تعد قادرة على تخدير العقول ولا على كسر شوكة الحراك المتنامي كما أن الترقيع المستمر و محاولة حل المشاكل بنفس النظام الذي ينتج هذه المشاكل هو حراثة في بحر وشتان بين “أمير المؤمنين” في دولة إسلامية يستمد المعالجات من الوحي وبين “أمير مؤمنين” في دولة علمانية يستمد الحلول من الغرب.

كما أن خطاب الملك محمد السادس لا يخرج عن أشباهه من خطابات ملوك الحكم الجبري القائمة في بلاد المسلمين اليوم, وصرنا من خطاباتهم الرسمية نكتشف بوضوح من هم؟ و إلى أي فسطاط ينتمون؟ ولصالح من يعملون؟

بقلم محمد السحباني

CATEGORIES
TAGS
Share This