الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، وطواحين الريح

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، وطواحين الريح

       يبدو أنه لازالت هناك في فردوسنا المفقود، الأندلس، بعض طواحين الريح التي لم تأت عليها بربرية وهمجية محاكم التفتيش النصرانية، مما حرك البطولة الزائفة لدى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي والسياسة الأمنية، الإسباني جوزيف بوريل، وهو يعلن عن زيارته لكل من ليبيا وتونس والعراق في سبتمبر المقبل، ليهددنا بحربه “المقدسة” على أمتنا، بما أن ملف أفغانستان ليس الوحيد الذي يثير قلق أوروبا, لافتا إلى أن ما وصفه بالأزمات المستقبلية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا والعراق تمثل تحديا كبيرا, منوها إلى أن هذا الأمر قد يتطلب إرسال مهام عسكرية لحماية الرعايا الأوروبيين والمصالح الخارجية لبلدان الاتحاد. بما أن قوة قوامها 50 ألف جندي، بزعمه، قادرة على التصرف في مثل الظروف التي تعيشها أفغانستان اليوم مؤيدا فكرة إنشاء قوة عسكرية أوروبية قادرة على القتال إذا لزم الأمر.

   وواضح أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، في عنترياته هذه، لم يتعظ من التاريخ بشيء، وتكسّرِ نصالهم تحت ضربات المجاهدين في أفغانستان، وكأن هزيمة البريطانيين في الحرب الإنجليزية الأفغانية الأولى (1838-1842) وسائر هزائمها ضد أهلنا في تلك الأرض الطاهرة محيت من سجلات التاريخ، أو كأنه لا يعيش اليوم هزيمة الحلف الأطلسي بجبروته وتحت قيادة سيدته أمريكا لتتسابق جيوشه للفرار بعد احتلال دام عشرين سنة لم يجن منه إلا هلاك الأنفس وخراب العمران. إلا انه يبدو أن ممثل الاتحاد الأوروبي غاضه تخلي أمريكا عنهم وقد قادتها أنانيتها، بعد أن جرتهم إلى حروبها على الأمة جرا، وإلى المأزق الأفغاني وقد منتهم بجني الحليب والعسل، ووأد جذوة الانعتاق والتحرر من ربقة العبودية والتبعية، إلى التفكير في مصلحتها الأنانية وتناست المبادئ حين قالها رئيسها صراحة “ينبغي ألا تُستخدم القوات الأمريكية ورقة مساومة بين الأطراف المتحاربة في دول أخرى”. بعد أن كانت بلاده تعد نفسها مسؤولة عن العالم، ولأن “تهديد الإرهاب ليس قاصرا على بلد واحد…” 

 إنه وإن أعلن أن أوربا ليست في حاجة إلى أمريكا في حربها الحضارية على بلاد الإسلام وهي قادرة على خوضها بمفردها مما دفع برئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى اعتبار أن “تخلّي” الغرب، بدفع من أمريكا، عن أفغانستان أمر “خطير” و”غير ضروري”. منتقدا مبررات الولايات المتحدة للانسحاب معتبرا أنها “غبية” و”ليست مدفوعة بإستراتيجية كبرى بل باعتبارات سياسية”.
وأنّ “التخلّي عن أفغانستان وشعبها مأساوي وخطير وغير ضروري، وليس في مصلحتهم ولا في مصلحتنا”.

إن المواقف الأوروبية  بعد الهزة التي أحدثها قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي ترتكز على أمرين:

      1 ـ الدفاع عن نفوذها في آخر معاقلها، الشمال الإفريقي، في عالمنا العربي بعد الاجتياح الأمريكي للمنطقة وما يوفره لها طابورها من العملاء من السياسيين وجيش المضبوعين بثقافتها من سند وعون. وما تقوم  به بعض القوى الإقليمية غير الراضية عن تطورات الأحداث في تونس، مثلا، بعد انهيار الأنظمة الاستبدادية مطلع القرن الماضي، حيث صارت دول شمال أفريقيا مركزا لصراع أكبر على النفوذ.

      2 ـ الحرص على هيمنة مبدئها في ربوعنا وسيطرة طريقتهم في العيش على عقولنا، أمام تنامي وعي شعوب عالمنا الإسلامي على حقيقة رسالة الإسلام في الحياة وعلى قدرة الأمة على التخلص من سيطرة الأعداء خاصة وهم يشهدون عيانا كيف أن ثلة قليلة من المسلمين قادرة على أن تمرغ أنف قوة استعمارية جبارة بأقل الوسائل المادية إن صَدق العزم منها وتوكلت على خالقها سبحانه.

على الصادقين من أبناء الأمة أن يدركوا حجم التصدع في صفوف الأعداء وأن لا جامع بينهم غير مصالح تعظم وتقل بقدر ضعف ضحاياهم واستعدادهم للخضوع والخنوع، وأن يوقنوا أن لا اعتبار للعملاء عند أسيادهم إلا بقدر الخدمة التي يقدمونها لهم، وأنهم سرعان ما يتخلون عنهم حين يصيرون عبئا على مصالحهم.

فعلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أن يعقل، وليوفر على نفسه طاقة التفكير العقيم، وليوفر على جيشه الذي يسعى لتكوينه، -ولا يظن عاقل أنه سيرى النور- حياة أفراده، ففي أبناء الأمة سواعد ورماح، فقد خبرتم بأسهم طيلة قرنين وقد آن أوان الجد، ففي التاريخ عبرة لمن يعتبر.

عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This