ان هي الا ارقام تتلاعبون بها الأصل نظام اقتصادي يكفي النّاس

ان هي الا ارقام تتلاعبون بها

الأصل نظام اقتصادي يكفي النّاس

حسب تصريح المعهد الوطني للإحصاء يوم الاثنين 15 ماي 2017,عرف الناتج الاجمالي المحلي نموّا بنسبة 2.1 % خلال الثلاثية الأولى لسنة 2017 .أمّا البطالة فقد عرفت تراجعا خلال الثلاثية الأولى من 2017 من 15.5 % (خلال الثلاثي الرّابع لسنة 2016) ,إلى 15.3% .وحسب تصريح وزير الصّناعة  و التجارة “زياد العذاري “,في نفس اليوم أي 15 ماي 2017 ,فإنّ الميزان التجاري في تونس شهد انخفاضا في العجز بنسبة 19 %  من 1578 مليون دينار إلى 1272 مليون دينار بين شهري أفريل 2016 وأفريل 2017 ، وهو ما يعطي مؤشرات إيجابية ومبشّرة حول بداية تعافي الاقتصاد التونسي خلال الفترة الأخيرة بعدما عرف العجز التجاري ارتفاعا ب 40 %  خلال سنتي 2015 و 2016. وألمح الوزير أن هذا الانخفاض جاء بعد ارتفاع ملحوظ في نسبة  الصادرات ب 10 %  مقابل انخفاض الواردات بنسبة 2 بالمئة بين شهري أفريل 2016 و2017. تأتي هذه التصريحات من جهة احصائية ,أو من شخصيات وزارية ,مباشرة إثر خطاب “الباجي قائد السبسي” يوم 10 ماي 2017 في قصر المؤتمرات بالعاصمة,والذي صرّح فيه بالدلائل الايجابيّة التي فجأة أصبحت تعيشها البلاد ,افتصاديا ,رغم التنبيهات العديدة من الخبراء أو من البنك المركزي على افلاس البلاد .

هذه مجموعة الاحصائيات المتناولة في الفترة الاخيرة .وهي مؤشرات رقميّة يلعب بها النّظام السياسي ,حتى يجد لنفسه شرعية قبول ,بعد حالة الشكّ,وانعدام الثّقة التي بدأت تسري في صفوف الناس .

ستناول قبل كلّ شئ أهمية هذه الاحصائيات في الاقتصاد الراسمالي .فالاهتمام بالنموّ الاقتصادي وتضخيم الناتج الاجمالي المحلي هو أساسي وربطه بمؤشرات البطالة .

فالنظام الراسمالي ينظر من زاوية محددة ,وهي اساسا غنى الدولة, من حيث النّظر إلى المجموع .ويكون ذلك الى تحديد الدراسة في ميزان الدفوعات ,والميزان التجاري .وتحديد التطوّر في الرفع الايجابي في المؤشرات .لن ندخل في تفاصيل عملية البحث ,لكن مجرد نظرة بسيطة على الواقع ,يدلّ أن هناك تفارق بين ما يريده النّاس وما تسعى إليه الدولة .فالعملية مقتصرة في تحقيق التوازن بين الوادات و الصادرات ومن حيث الميزان التجاري ,وفي تحقيق التوازن بين واردات الدولة ,ومداخيلها .أمّا النّاس فكلّ همّهم هو الاستجابة لحاجياتهم الاساسية و الكمالية و تلبيّة غرائزهم ,بالوضع الذي يجعلهم يشعرون بآدميتهم .

التحديد الكمّي للغنى و الثروة ,ومراقبة عملية التوازن ,لعبة قديمة ,بدأت في هذا البلد منذ القرن التاسع عشر ,مع تغلغل النّظام الرأسمالي .والحكومات التي تدولت على هذه البلاد كان هذا هو ديدنها .وهو أساسا تحقيق التوازن .وكانت الشرعيّة الأساسية للحكومات ,هي الرفع الايجابي في المؤشرات ,والايحاء أنّ الرفع الايجابي في المؤشرات ,سيرتبط ارتباطا جذريا بما يسمى بالبطالة .فتقع عملية الرّبط الآلي بين النموّ و البطالة بالترابط العكسي ,أي أن الرفع في النموّ الاقتصادي يحتّم التخفيض من نسب البطالة .وبذلك يقع التمديد من عمر الحكومات بهذا التلاعب الاحصائي ,رغم ان المشكلة الاساسية ,ليست في العمليات الاحصائية ,بل هي كفاية الناس حاجياتهم الى حد الاشباع فردا فردا و هذا هو الأساس في النظام الاقتصادي ,الذي يكرّس مجهوده في البحث عن الاعمال التي تؤدي حتما الى الكفاية .فما معنى الرفع من الثروة بنسب معينة وأغلبية الناس في عوز و ضنك .فالثروة دائما في ازدياد .وهي دائما في يد أقليّة .وماذا يفعل الجائع بسماع نسبة الزيادة في الثروة .فالاصل غنى الافراد وليس غنى الدولة .

هل مشكلة البلاد مشكلة بطالة ؟أم مشكلة الانسان كانسان خلقه الله مكرّما ,لعبادته وليس لكي يجري في هذه الحياة عبدا لغيره .فالله خلق الانسان و سخّر له كفايته ,بينما النظام الراسمالي ينظر الى الانسان آلة تزيد في الثروة .فحتى مشكلة البطالة ينظر لها كعامل يكوّن الانسان ,رغم ان الانسان هو انسان يعمل او لا يعمل .فتخفيض نسب البطالة ,يعتبر علاجا لفظيّا وقتيّا يكبت الانسان لمدة معينة .ويجعله في انتظار تحقيق انسانيته .بينما ربنا الذي خلقنا وفر لنا احكاما من عنده تجعل من الانسان انسانا ,بتحديد ثلاث انواع من الملكيات ,تُخرج العملية الاحصائية من الاساس .فالدول التي تجعل من الملكية الخاصة هي الاساس ,لا يمكن لها البتّة ايجاد الحلول للمطالب المتواصلة للناس .وهذا لانها تخلق الثروة و تجعل الناس يتنافسون عليها .فيكون حتما القوي هو الذي يصل اليها و هو المتحكم فيها وهو الذي يحدد مصير بقية الناس لكي تعيش في مداره ,ينتظرون الوقت الذي يصلون فيه الى العمل .

اذا اعتبرنا الاحصائيات صحيحة ,فهي لا يمكن لها تحقيق ما يريده الناس ,لكن اذا دقّقنا النظر في ما قُدّم من احصائيات ,فالواضح أنّها قُدمت في وضعيّة سياسيّة ,تريد ان تجعل منفس انتظار جديد وتفتح بابا من الصّبر ,يكاد ينفد .فهذه الاحصائيات مُتلاعب بها,تلاعبا رياضيّا لتواكب الحدث السياسي المقرر ليوم 10 ماي 2017 ,ليكون إعلان لمرحلة وهميّة جديدة .فنسبة النمو هي نسبة انزلاقية بحساب فارق النمو بين الثلاثي الرابع من 2016 و الثلاثي الاول من 2017 .وهي في الواقع ,لم تتجاوز ال1% .هذا التلاعب ينصب ايضا على نسب البطالة على اساس ان عذا المصطلح أصلا لم يقع البتّ في معناه ويقع التلاعب في نسب العاطلين عن العمل باحتساب المسجلين في مراكز الشغل والمشتغلين موسميا و وقتيا …حتى اذا اعتبرنا هذه النيبة التي وقع خفضها .هل للانسان ان ينتظروهو يريد كفاية حاجته الاساسية .هذا التلاعب بالارقام ,أصلا موجها الى الأسياد الذين يريدون اكتشاف مبررات ايجابية تجعلهم يتدفقون باستثماراتهم على هذه البلاد لنهبها و استغلالها .وهذا لا يكون الا بخلق المناخ الاستثماري الايجابي .ويكون عمل الدولة الاساسي هو تكوين مناخ ملائم للمستثمرين ,من حيث التشريعات القانونية المحفّزة ,أو المؤشرات الرقمية الايجابية ,التي تجعل الدائنين يواصلون ضخّ الاموال ,لمزيد التكبيل .

التلاعب بالارقام و الجري وراء ما يسمّى النموّ لن يمكّن هذه البلاد من النهضة الصحيحة .فهي في احضان نظام خبيث يريد ان ينقذ نفسه بها ,بتطبيق افكاره عليها وهي افكار لا تخرج من دائرة تحكم اصحاب رؤوس الاموال العالميين.لكن احكام الله هي الاساس في انقاذ المسلمين من ضيقهم .وهي التي تجعلهم يتمعون بما حباهم به الله .ولا يكون ذلك بالترقيعات ,ولا بالجمعيات التي جعلت نفسها تقوم مقام الدولة في رعاية شؤون الناس ,بل إنّ الاصل في دولة تطبّق شرع الله ,وتحدد الملكيات التي أوضحها الله سبحانه و تعالى حتى تكفّي الناس جميعا .ولا يكون الحلّ في الجري وراء حبائل الكافر المستعمر .فهو لن يغني عنّا من الله شيئ.

“ولو أنّ أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض”

الأستاذ حاتم الخياري

CATEGORIES
TAGS
Share This