بحث عنها “المشيشي” ودعا إليها الاتحاد والنهضة.. هدنة سياسية أم إعادة انتشار؟

بحث عنها “المشيشي” ودعا إليها الاتحاد والنهضة.. هدنة سياسية أم إعادة انتشار؟

باستثناء حكومة ” الحبيب الجمني التي أسقطتها التجاذبات والمناكفات بصفة مبكرة مرت كل الحكومات إلى ضفة الحكم بعد أن حازت على ما يسمونه ثقة أعضاء مجلس نواب الشعب وآخرها حكومة “هشام المشيشي”, وقد تسلمت مشعل التداول السلمي من حكومة “الياس الفخفاخ” التي لم تعمر طويلا وتعثرت في نفس الحجر الذي أعاق حكومة “الجمني” عند خط البداية والأصح أنها وقعت في كمين نصب لها ولم يقدر قائدها “الياس الفخفاخ” على الإفلات منه، رغم أنه بذل كل وسعه في المناورة والمناكفة هو أيضا وتشبث إلى آخر لحظة بتلابيب السلطة التي افتكت منه ومعها المصالح والمكاسب فضلا عن خدمة المسؤول الكبير وهذا الأهم بالنسبة للفرقاء السياسيين سواء في تونس أو سائر بلاد المسلمين.

إذن, مرت حكومة “هشام المشيشي” أو كما يسميها هو حكومة الانجاز وإيقاف النزيف, وتبدو هذه التسمية مناسبة ومقبولة فكل الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة لم تنجز شيئا وعجزت عن تضميد جراح البلاد بل زادت من نزيفها إلى أن خارت قواها وباتت قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وها قد جاء “هشام المشيشي” مدعوما بمجموعة كفاءات لتوقيف النزيف وتحقيق الانجازات -مثلما ادعى-. لكن شريطة أن يُخَلوا بينه وبين الجرح ولا يعيقوا عملية الرتق, فالجرح عميق جدا ويستوجب رتقه مجهودا مضنيا وأي تشويش ستكون نتائجه وخيمة وستزداد حالة البلاد سوءا وتقيدا ولهذا طلب رئيس الحكومة الجديد من الجميع عقد هدنة سياسية عله يحقق ما عجز عنه غيره. فخلال استقباله لأحد أعضاء مجلس نواب الشعب عن “حزب قلب تونس” قال “المشيشي” “…الوضع الذي تعيشه تونس من صعوبات اقتصادية واجتماعية وعودة انتشار فيروس كورونا يقتضي توحيد الجهود للإنقاذ والانصراف إلى ما ينفع الناس بعيدا عن المناكفات السياسية..”, وقبل نيل حكومته ثقة أعضاء البرلمان أكد “خالد عبيد” عضو كتلة الإصلاح أن “المشيشي” طلب من الأحزاب عقد هدنة سياسية مما يعني أن “هشام المشيشي” بحث عن الهدنة قبل مرور حكومته وإثره، وهذا البحث  تلقفته أطراف فاعلة في المشهد السياسي وتشكل ثقلا في مجال المصالح والمكاسب وتنفيذ أجندات المسؤول الكبير, وأبرز هذه الأطراف الاتحاد العام للشغل الذي عبر عن موقفه من هذه الهدنة من خلال تصريح لناطقه الرسمي “سامي الطاهري” إذ قال: “إن الوضع في تونس في حاجة إلى هدنة سياسية وهذه الحكومة يجب أن تمر وتستمر”. الناطق الرسمي للاتحاد أكد على ضرورة مرور حكومة “المشيشي” وكلنا يعلم أن النهضة كانت غير راغبة بهذا التمشي وترفض حكومة لا تؤثثها الأحزاب و”الطاهري” في حديثه عن وجوب عقد هدنة في ذلك التوقيت هو يناكف ويزايد على النهضة وأتباعها من الأحزاب الأخرى وهذا واضح في تصريح لأمينه العام اثر تسلم حكومة “المشيشي” لمهامها, حيث قال: “إن تونس ليست في حالة حرب للحديث عن هدنة، والأهم هو خلق مناخات استقرار اجتماعي”. انسحب اتحاد الشغل من محور المطالبين بالهدنة السياسية بعد أن تحققت غايته في تمرير الحكومة وأصبح يطالب باستقرار اجتماعي وانتقل من المزايدة على الرافضين ل”المشيشي” وجوقة كفاءته إلى المزايدة على الحكومة ورافضيها معا وبهذا فسح المجال للطرف البارز الأخر وهو “حركة النهضة” لتدلي بدلوها في مستنقع المزايدة وتطالب بحتمية عقد هدنة سياسية بعد أن أرغمتها الضرورة على القبول بهذه الحكومة ففي المناسبة ذاتها التي تكلم فيها الطبوبي, قال “راشد الغنوشي” “إن البلاد في حاجة إلى هدنة سياسية لمواجهة التحديات…”.

ويصح لنا أن نتحدث عن هدنتين مختلفتين الهدنة الأولى قبل مرور الحكومة وقد طالب بها المؤيدون لحكومة “مستقلة” والهدنة الثانية بعد أن تمكنت تشكيلة ” المشيشي” من الوصول إلى قصر القصبة وطالب بها من كان يصر على رفض حكومة على تلك الشاكلة. وفي الحالتين لم يكن المراد بالهدنة السياسية التفرغ لمعالجة أسقام البلاد وتضميد جراحها فذاك عقبة كأداء لا تقوى جحافل المتهافتين على السلطة على أقتحامها فهم أعجز على تسيير حضيرة في ظل نظام فرضه علينا مستعمر لا يرقب فينا إلاّ ولا ذمة ثم نصّب هؤلاء ومن سبقوهم نواطير يرعون مصالحه وأدوات لتلبية أطماعه ورغباته فقط. هم يريدون هدنة لكي يراجعوا تكتيكاتهم وخططهم ليصلوا إلى مغانم سمح لهم المسؤول الكبير بالتطاحن  والتصارع حولها. هم يسعون إلى مجرد إعادة انتشار وربح الوقت لا غير, فإن توافقوا على اقتسام الغنائم, وما توافقُ الشيخين ” الغنوشي” و”الباجي قائد السبسي” عنا ببعيد. أكملت الحكومة عهدتها مع إغراقها في بحر من الشكر والثناء على جليل أعمالها وقدرتها على قهر الصعاب والوصول بالبلاد والعباد إلى برّ الأمان وإن اختلفوا تدق طبول الحرب مجددا ويطالب كل طرف برأس الآخر, ولا تسمع حينها إلا العويل والنواح على حال البلاد الكارثي وعودة اسطوانة ضرورة مجابهة الفقر والجهل والمرض المستشري في ربوعنا إلى الدوران  دون أن يجابه فقر ولا يمس جهل أو مرض بأدنى سوء فسواء اتفقوا أو اختلفوا سيظل الجرح ينزف وبغزارة ما لم يرحل هذا النظام والرويبضات القائمون عليه.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This