بعد وفاة ستة رضع بمستشفى نابل: حكومة الشاهد بدل أن تقضي على الفقر تسعى للقضاء على الفقراء

بعد وفاة ستة رضع بمستشفى نابل: حكومة الشاهد بدل أن تقضي على الفقر تسعى للقضاء على الفقراء

أذنت النيابة العمومية في تونس مطلع الأسبوع الحالي بفتح تحقيق قضائي حول وفاة عدد من الرضع في مستشفى محمد التلاتلي بولاية نابل، كما شرعت وزارة الصحة في البحث والتقصي حول ملابسات وأسباب الوفاة. بعد أن استفاقت مدينة نابل على أخبار فاجعة  جديدة  تتمثّل في وفاة ستة رضع حديثي الولادة بقسم الولدان بالمستشفى وذلك في ثلاثة أيام يوم 22 و 23 و 24 جوان الجاري.

هذه الأخبار المخيفة والمحزنة نزلت كالصاعقة على النّاس الذين عادت بهم الذاكرة إلى حوادث سابقة وأليمة شغلت الرأي العام ودقّت ناقوس الخطر عن الوضعية الحالية للقطاع الصحّي العمومي على مستوى التجهيزات والإطار الطبّي، فحادثة وفاة 14 طفلا بمستشفى وسيلة بورقيبة وقبلها وفاة رضع بمستشفى صفاقس لا تزال حاضرة في بال كلّ امرأة حامل تتوجّس خيفة ورعبا من أن يصيبها هي وولدها ما أصاب من سبقوها والقائمة طويلة، فهل إنّ الموت أصبح محتوما على أطفالنا اليوم؟ وهل مازلنا اليوم-بعد التطوّر المذهل الذي يشهده طبّ الاختصاص –  نتحدث عن وفاة مسترابة لأطفال حديثي الولادة ؟.

طالب أحد الأولياء المستشفى بمحاسبة المسؤولين، والتحقيق في ما وصفه بـ”تخاذل الطاقم الطبي، وتقصير الإدارة”،  ومن جانبها  وزيرة الصحة بالنيابة الدكتورة سنية بالشيخ  أكّدت أنّ وفاة الرضع حسب المعطيات الأولية طبيعية نظرا لأنهم من الأطفال الخدج أي ولادة مبكرة و هم يعانون من صعوبات صحية و حالتهم حرجة، وأعلنت عقب اجتماعها بالإطار الطبي وشبه الطبي بقسم الولدان بالمستشفى أنّ ولاية نابل ستكون ولاية ذات أولوية في طبّ الاختصاص وستكون من أولى الولايات التي ستوجه لها الانتدابات الجديدة لأطباء الاختصاص بعد اجتياز امتحانات الاختصاص. وشدّدت على أن الوزارة ستتجاوب مع مطالب الإطار الطبي وشبه الطبي.

وهكذا وفي كل مرّة تحدث الكارثة ثمّ تتحرّك الوزارة لترتجل قرارات تصفها بالاستعجاليّة.

ومع كل كارثة  تُعلن الجهات المسؤولة حالة الطوارئ وفتح تحقيق في الغرض يُقبر كغيره من التقارير التي لم تغير من واقع الصحة العمومية في تونس شيئا .
فتكرار حالات وفيات الرّضع وحجم أعدادها يكشفان الوضع الكارثي لقسم الأطفال بنابل وغير نابل من المناطق، وخطورة الوضع داخل  المستشفيات، التي صارت مستشفيات موت  بسبب غياب الرؤية وغياب سياسات واضحة فالمستشفيات في تونس تشكو نقائص فادحة  سواء على مستوى التجهيزات أو الإطار الطبي وشبه الطبي أو على مستوى النظافة والاكتظاظ الكبير في تلك الأقسام  مما يؤدي مباشرة إلى نقص في الخدمات التي يعجز عدد قليل من الممرضين والتقنيين والأطباء عن تقديمها بالشكل المطلوب.

وعدم العناية بالمستشفيات راجع بالأساس إلى  خضوع الحكومة لشروط الصناديق المالية الدولية التي تفرض التقليص الكبير للأموال المخصصة للخدمات العمومية ومنها الصحّة بمنع الانتداب في هذا المجال الحيوي  للكادر الطبي و شبه الطبي . وإنّ هاته الحكومة حتّى لو امتلكت المال فلن تهتمّ بالمستشفيات العموميّة لأنّها تبنّت التوجّهات الرّأسماليّة التي تجعل الدّولة تنسحب من كلّ القطاعات وتمنحها للخواصّ زد على ذلك أنّ هذا التوجّه مفروض من الدّوائر الاستعماريّة المانحة فرضا وهي جهة لا ترى أنّ الصحّة حق للجميع، بل هي حقّ للقادر على دفع الثّمن، أمّا غير القادر فتضمن له “كردونة ” لرضيعه حين يموت، غير أنّ حكوماتنا الرّشيدة تمرّدت على هذ القرار وأمّنت “صندوقا” لائقا لكلّ رضيع يموت.

وفاة الرضع الستة بمستشفى نابل مأساة تتكرّر .. وسنسمع بمثلها أو أفضع منها، ولا أحد من المسؤولين سيتحرّك أو حتّى يعتذر ويستقيل، لأنّهم يرون أنفسهم قائمين بواجبهم واجب تحويل الدّولة في تونس إلى مجرّد وكيل للشركات ومنها شركات الأدوية ومتاجر الصّحّة المسمّاة مصحّات خاصّة …

 وعود على بدء وضع الصحّة العموميّة كارثيّ بما يعني أنّ التونسيين صاروا مهدّدين في حياتهم، ولا مجال اليوم لتزيين الواقع وإسكات الرأي العام بفتح تحقيق أو محاسبة البعض باتّخاذهم أكباش فداء. إنّ واقع الصحة عموما في تونس والصحة العمومية بشكل خاص لا ينبئ بخير، فعوض أن تكون البلاد منارة في مجال الصحة وملجأ العديد من المرضى لما يتوفّر فيها من الكفاءات الطبية، أصبح خبر وفاة الأطفال يتكرّر كل فترة دون وضع الإصبع على الداء ودون القيام بالتشخيص الحقيقي لهذا المرض العضال وهو الإهمال والاستهتار. والقصد من هذا كلّه إضعاف الصحة العمومية بإهمالها لفتح الباب مشرّعا للخواص للاستثمار في صحّة النّاس والمتاجرة بآلامهم.

 وبذلك تكون الحكومة في تونس قد أوفت بتعهّداتها والتزاماتها للجهات المانحة في القضاء على الفقر حين تقضي الفقراء.

 محمد زروق

CATEGORIES
TAGS
Share This