تجار ومصنعو المصوغ للحكومة وبصوت واحد: لا لقانون الإستصفاء

تجار ومصنعو المصوغ للحكومة وبصوت واحد: لا لقانون الإستصفاء

في مقارنة بقطاعات أخرى كالتعليم والصحة والفلاحة والطاقة وغيرها, كان بالأمس القريب يُعدّ قطاع المصوغ من القطاعات المستقرة نسبيا, ولكن الفساد عندما ينخر مجتمعا في علاقة بالنظام الذي يّحكم به تتحول قوته إلى ضعف وأمنه إلى خوف وأمان أهله إلى سوء ظن بعضهم ببعض, قال النبي صلى الله عليه وسلّم » إِنَّ الْأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُم«.

ففي قرار من تجار ومصنعي المصوغ بالتوقف عن الإنتاج والدخول في إضراب مفتوح  في جميع الولايات إلى حين إرجاع كميات الذهب المحجوزة من قبل الديوانة والتي يتواصل حجزها منذ أكثر من ثلاث سنوات في بعض الحالات رغم أن الاختبارات أثبتت سلامتها, والمطالبة بوقف العمل بالأمر الحكومي الصادر سنة 2008 القاضي باستصفاء المصوغ وحجزه بصفة عشوائية أو ما يعرف بقانون المعادن النفيسة لمجرد ارتكاب صاحبه مخالفة إدارية بسيطة، إضافة إلى تسليط خطية مالية عليه.

يأتي هذا الإجراء على خلفية “المداهمات العشوائية وحجز مصوغهم من المصالح الديوانية حيث نفذ المجمع المهني وقفة احتجاجية يوم الاثنين 11 فيفري 2019 بمدينة صفاقس شُفعت بلقاء من ممثلين عن القطاع بوزير المالية محمّد رضا شلغوم لم يفض إلى نتائج إيجابية ووعود مكتوبة ليبقى الإضراب ساري المفعول.

وفي خطوة تصعيدية أخرى قام تجار ومصنعوا المصوغ بوقفة احتجاجية ثانية يوم الأربعاء، 13 مارس 2019 بساحة القصبة تنديدا برفض وزارة المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل العديد من المشاكل العالقة بالقطاع منذ سنوات والتي تهم بالأساس كميات الذهب المصادرة من 1990 إلى 2019، ومراجعة النصوص المتعلقة بالأمر الحكومي الصادر سنة 2008 المتسبب في حجز مصوغ المصانع دون إرجاعها لأصحابها مما يجبرهم على وقف النشاط والإنتاج ممّا يولّد أزمة كبيرة لدى الحرفيين خاصة مع الحرفاء والبنوك.

كما عبروا عن رفضهم للطرق المستعملة حاليا من طرف الأجهزة الإدارية ودعوا إلى ضرورة أن تتم المراقبة في إطار الاحترام الكامل لأصحاب المهنة وبحضور أهل الاختصاص كأمين الصاغة وإدارة مراقبة المصوغ.

وقدموا في بيانهم الأخير مجموعة من المطالب من أبرزها :

– مذكرة عمل تتضمن تنقيح كل فصول الاستصفاء سواء للتجار أو الحرفي أو بضاعة الحريف

– تحديد طريقة المراقبة ومن يقوم بها

– الترخيص للتجار والمصانع لبيع بضاعتهم خارج محلاتهم

– الترفيع في سقف الأموال المتداولة نقدا بين أهل المهنة إلى حدود 100 ألف دينار

– مراجعة قانون السر المهني وحماية القطاع من التهريب ومن التجارة الموازية .

كما أكد السيد محمد عبد الكافي رئيس مجمع المصوغ بصفاقس انه تم إيقاف النشاط بكل الوحدات الإنتاجية منذ 11 فيفري 2019 لكن لم يتم إيجاد أي حل ولم يتم الاستماع إلى مطالبهم وان تجاهل السلطة يدفع لمزيد الاحتقان والتصعيد وقد يؤدي الوضع إلى غلق محلات وتشريد عائلات تعيش من هذا القطاع.

وللإشارة تحتل تونس المرتبة 78 دوليا و12 عربيا من حيث ثروة الذهب بكمية تناهز 8,6 أطنان, ويجمع القطاع 1300 صناعي وقرابة 8 آلاف موطن شغل يقول الصناعيون أنها يمكن أن ترتفع إلى 20 ألف موطن شغل في غضون خمس سنوات بازدهار القطاع في الإنتاج والبيع..

السؤال الذي يطرح الآن وبمرارة إلى أي مدى سيتواصل عجز هؤلاء الحكام ؟؟

إلى أي مدى يمكن تجاهل مطالب آلاف من الرجال والنساء تكبدوا مشقة السفر من مناطق بعيدة ليُسمعوا بأعلى صوتهم مطالبهم المشروعة لوزير لم يكلف نفسه عناء الخروج إليهم, سواء هو بشخصه أو من ينيبه, في تجاهل تام وصمت مطبق يصدق فيه قول الشاعر لقد أسمعت لو ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي. لقد صار التجاهل والهروب إلى الأمام سياسة متبعة من قبل حكومة الشاهد التي أدت إلى فشل واحتقان وتصعيد وفي جلّ القطاعات.. شاهدناها في أزمة التعليم الأخيرة كادت تعصف بالسنة الدراسية وإلى الآن لا يزال الاستفزاز مستمر!!

ماذا ينتظر هؤلاء المسؤولين ليتدخلوا ؟ هل ينتظرون تشريد أُسر, غلق مواطن شغل, وإحالة عمال على البطالة القسرية, أم تراهم ينتظرون سقوط ضحايا ليتباكوا على أطلالهم.. أم على غرار قوارب الموت وهجرة العقول ننتظر هجرة الصائغية ليتساوى الجميع في الفقر وتتحقق عدالة صندوق النقد الدولي ؟؟؟

وفي  المقابل لا بدّ أن نعي جميعا أن القضية ليست قطاعية بالأساس بل هي أعمق وأشمل, وبالتالي تحتاج إلى علاج جذري تتولاها جميع القوى بمختلف شرائحها للتصدي لهذه القوانين الصماء التي شرعها النظام الرأسمالي الاستعماري وأملاها صندوق النقد الدولي لتنفذها حكومات عاجزة لا يرقبون في هذه الأمة إلًّا ولا ذمّة والغاية من كل هذا هو تفقير البلاد والعباد, وتشتيت القوى للخضوع التام لقوى الهيمنة الدولية. في حين نرى دولة مثل الصين تسعى إلى رفع احتياطها من الذهب ب600 طن من سنة 2009 إلى 2016 وتعتبر حجم احتياطاتها من الذهب سرا من أسرار الدولة ولا تخبر صندوق النقد الدولي بحجمها على أساس شهري مثلما تفعل معظم الدول الأخرى.

وفي هذا المقام لا يسعنا إلا التذكير بأن الأحكام الشرعية المتعلقة بالذهب والفضة والمصوغ من حيث الاستصناع والتجارة وأحكام الزكاة والصرف والعملة وشبهة المعاملات الربوية ونحوها من هذه المسائل أشبعها فقهاء المسلمين المتقدمين والمتأخرين بحثا واستنباطا وتأصيلا بما يعالج هذه القضية المهمّة وسائر قضايا الإنسان من جذورها لتحقق عبوديتهم الخالصة لله عزّ وجلّ وتتحقق سعادتهم في الدارين. والأمة في مشارق الأرض ومغاربها لا خلاص لها الآن إلا بوضع هذه الأحكام موضع التطبيق في ظلّ دولة تعزّ الإسلام وأهله, وعدنا بها الله في كتابه وبشرنا بها رسول الله ﷺ في قوله ” ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوة”.

ياسين بن يحيى

CATEGORIES
TAGS
Share This