تونس والسيادة الخارجية: فاقد الشيء لا يعطيه

تونس والسيادة الخارجية: فاقد الشيء لا يعطيه

بين الفينة والأخرى نسمع همسات خافتة تطلب من حكام تونس – يحكمون بالوكالة طبعا- أن تكون لهم مواقف تحفظ ماء الوجه وتعطي انطباعا بأن هذه الدولة قادرة ولو على استحياء أن تحفظ للبلاد سيادتها وهيبتها، وعادة تكون أغلب الأصوات صادرة من المزايدين على من في سدة الحكم لا غير فلا يوجد من بين الحكام ومعارضيهم من تعنيه السيادة بمفهومها الفعلي فجميعهم نشأوا على التبعية فكريا وسياسيا ولا يقدرون على السير في غير دربها. فقائدهم وقدوتهم “بورقيبة” حدد لهم المجال الذي يتحركون فيه  وترك لهم خريطة تدرب على رسمها تحت رعاية الاستعمار وزركشها بأكاذيب انطلت على ضعيفي العقول وتشبث بها من بعده المنبطحون والخانعون وبائعو الذمم فجمهوريتهم الأولى والثانية خلا دستورها كما هو شأن كل دساتير مزق “سيس بيكو” تماما من تحديد ماهية السياسة الخارجية لتونس  واقتصر الأمر على بعض الشعارات الفضفاضة والجوفاء يكتفي بترديدها ممتهنو الدجل والشعوذة كلما وضعت سيادة البلاد على المحك كقولهم مثلا تستند السياسة الخارجية التونسية على جملة من القيم التي تترجم حرص تونس كدولة محبة للسلام ومتعلقة بالشرعية الدولية على تقوية أسباب التفاهم والتسامح والتضامن بين الدول والشعوب واضفاء مزيد من العدل والتوازن في العلاقات الدولية والاستقرار والرخاء لفائدة الانسانية قاطبة.

هذا كل ما لديهم والباقي تبعية مطلقة وطأطأة للرؤوس أمام ما تأمر به القوى الاستعمارية بل أكثر من ذلك فهم دوما يكونون لها يدعون ويساهمون في تحقيق مآربها وكل حركة يقومون بها هي في الواقع تنفيذ لأوامر وتعليمات, فإن لازموا الصمت أو شجبوا أو قالوا أنهم مع طرف ضد طرف أو مع جميع الأطراف, يذريعة الحياد, كما هو الحال مع ما يحصل في ليبيا, فاعلم علم اليقين أنهم مأمورون ولا قبل لهم بأن يصرفوا من تلقاء أنفسهم، فالسلام الذي قالوا أنهم من محبيه تحدده لهم تلك القوى, حيث يختلف السلام باختلاف مصالح القوى الاستعمارية.. نفس الشيء بالنسبة للعدل فهم يرونه بعيون أمريكا وبريطانيا وفرنسا, كل حسب مصلحته. أما التسامح فهو الانصياع التام للدول المستعمرة والتضامن هو الصمت حيال نهب الثروات واغتصابها, وقِس على ذلك باقي الشعارات التي تكون ترجمتها على الواقع بعكس ما تعنيه.

أما أبشع ما يستندون اليه في ما يدعون أنه سياسة خارجية هو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وهذه الدول ليست الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا بريطانيا ولا أي دولة من الدول الغربية, إنما هي بلدان هي في الأصل بلاد واحدة كانت تحت راية دولة واحدة ومن الواجب أن تكون إلى قيام الساعة في ظل دولة واحدة لكن قلم “سايكس” ومسطرة “بيكو” قسماها إلى أجزاء متناثرة واختارا لها أعلاما شتى, وحددا لها حدودا تحرسها فكرة مقيتة كريهة اسمها الوطنية. ففي نهاية المطاف يلوذون بهذه الرابطة الفاسدة ليبرروا ضعفهم وجبنهم وانصياعهم لسيدهم المستعمر, ففلسطين لا شأن لهم بها فهي وطن من دون وطنهم كما هو حال اليمن وسوريا وليبيا وأي بلد من بلاد المسلمين يرزح أهله تحت نير بطش وقهر القوى الاستعمارية الغاشمة. فهم قبلوا بذل أقفاص “سايكس بيكو” ورضوا بأصفاده, بل بذلوا كل ما في وسعهم كي لا تكسر وتنعتق منها رقابنا. وقد بلغ بهم الأمر حدّ السماح لسفراء بعض الدول الاستعمارية أن يجعلوا من ديارنا ملكا مشاعا لهم يجوسون خلالها متى شاءوا وكيف ما شاءوا ويلغون كما الكلاب في كل ايناء دون رادع ودون أن يتحرك ساكن لمن يجترون صباحا مساء كلمة السيادة والهيبة وهم لا يفقهون معناها ولا يقدرونها حق قدرها، لقد ألفوا ظلمة السجن واستطابوا هوان القيد إلى درجت أن انتفت عنهم أبسط صفات رجال الدولة, فهم فرطوا في قوتنا واستباحوا أمننا الغذائي نتيجة اتفاقيات عار عقدوها مع دول مسؤوليهم الكبار كدول الاتحاد الاوروبي, فالقمح الذي ضجت به قارعة الطريق والزيتون الذي بات يهدده المصير ذاته ولم تحرك الدولة ساكنا نتيجة اتفاقيات حين ابرمت لم تراع فيها إلا مصلحة تلك الدول, فمثلا لا يمكن لدولة الضرار هذه أن تصدّر زيت الزيتون إلا لدول الاتحاد الأوروبي وكل ما زاد عن حاجتها يمنع تصديره لغيرها حتى وإن أدى الأمر إلى سكبه أو ترك ثمرته على رؤوس الأشجار تأكله الطير, وقد وجد منتحلوا صفة رجال الدولة ما يكفي من الصفاقة والوقاحة ليتبجحوا باحترامهم الاتفاقيات والمواثيق حتى وإن كانت تقطر ذلّا وهوانا, لذا فالحديث عن السيادة بمفهومها الداخلي والخارجي في حضرة سايكس _ بيكو وفي ظلّ كل هذا الوهن والضياع يعدّ ضربا من العبث, لأنه وبكل بساطة فاقد الشيء لا يعطيه…

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This