حزب التحرير ولاية تونس، صداع حقيقي في رأس نظام مترنح

حزب التحرير ولاية تونس، صداع حقيقي في رأس نظام مترنح

مقدمة

ليس غريبا أن تنبري بعض الوجوه العلمانية الكالحة في الفترة الأخيرة لتتصدر المشهد الإعلامي فتدق ناقوس الخطر وتطلق صيحات الفزع داخليا وخارجيا وتحذر من معضلة تنامي نشاط حزب التحرير في تونس، خاصة في ظل حديث بعضهم عن بناء جمهورية جديدة تقطع قطعا نهائيا مع الإرث الإسلامي في الفكر والفقه والتشريع.

فقد تعودنا من قبل العديد من الأبواق الإعلامية التي تحتكر الرأي وتمارس الديكتاتورية الإعلامية في حق متابعيها بسياسة التضليل والتشويه ثم تغييب حق الردّ وخاصة إذا تعلّق الأمر بحزب التحرير.

ولكن الجديد هذه المرّة، هو ذلك النوع من التحريض الرخيص الذي يستغيث بـ “رباطة جأش” الرئيس قيس سعيد ويتعلق بقشة مساره التصحيحي، لعلّه ينجح فيما عجز كل الحكام السابقين عن فعله، من محاولات منع الحزب وإيقاف نشاطه وإلجام أفواه أعضائه عن الصدع بكلمة الحق ضد هذا النظام الفاسد ومن يسنده من قوى الغرب الكافر المستعمر.

دور أبواق الاستعمار في إحياء جثّة النظام

فبينما انطلقت الصحفية حذامي محجوب في برنامج “هنا تونس” الذي تبثه إذاعة “ديوان أف أم” في التخويف من الحزب ومن تزايد نشاطه ووقفاته وندواته على غرار الندوة التي نظمها الاتحاد الدولي للمحامين وطالب فيها المشاركون بتفعيل مشروع دستور حزب التحرير، ثم من عالميته التي تتجاوز حدود الدولة الوطنية، مستغربة فكرة اعتبار تونس “ولاية” في دولة الخلافة، واصل المدعو منير الشرفي (رئيس “المرصد الوطني للدفاع عن مدنيّة الدولة”) على قناة الوطنية في نفس مسار الاستغاثة والدعوة لإنقاذ الدولة المدنية في تونس، والتي صار حزب التحرير أكبر خطر يهددها لعدم اعترافه بالدستور الوضعي. يأتي ذلك، بعد إصدار بيان في الغرض باسم المرصد، يستنكر فيه سكوت السلطة عن نشاط الحزب في إشارة إلى ندوة سياسية ستعقد في القيروان.

فيما أعلن الصحفي حسونة المصباحي “الحداد على القيروان” عبر موقع (إيلاف) البريطاني، تفاعلا مع دعوة حزب التحرير ولاية تونس لعقد ندوة سياسية وفكرية بالقيروان، تحت عنوان: “آن لأهل القيروان أن ينصروا دينهم ويعملوا لإقامة دولة الخلافة”. كما تحدثت عديد المواقع الإلكترونية عن ندوة القيروان بنبرة مستهجنة وقوع هذا الحدث تزامنا مع مرحلة جديدة من التأسيس الديمقراطي المزعوم.

أما الصحفي إبراهيم البوغانمي، فقد وصل به الأمر عبر موقع (ميدل إيست أونلاين) البريطاني، إلى أن يخترع كذبة تجييش حزب التحرير للشارع وحصول صدامات خطيرة أوشكت أن تنزلق بالبلاد نحو مربع العنف، دون أن يستحي من محاولة ربط حزب التحرير بتنظيم داعش في العراق وسوريا، على غرار ما تقوم به بعض المخابرات الأجنبية لتشويه حزب التحرير وصرف الناس عن دعوته المبدئية.

وهكذا، يستمر البكاء والعويل والصراخ وإقامة اللطميّات على رفات الدولة الوطنية التي بناها العميل الأكبر “بورقيبة”، وأطال عمرها بن علي، وأنقذها حكام التوافق الديمقراطي المغشوش بعد الثورة. ومع أن إكرام الميّت دفنه، إلا أنهم ماضون في محاولات إنعاش هذا النظام وإحيائه، مع أنه عنوان الأزمة، وذلك عبر البكاء على المكاسب الديمقراطية التي يخشون على مصيرها من حزب التحرير.

أما الدور الأبرز بل الأقذر في رثاء هذا النظام الفاسد والتهجم على حزب التحرير، فقد أسند لزعيمة الحزب الدستوري، التي لم تيأس من محاولات جر شباب حزب التحرير إلى مستنقعات العبث والتهريج كما فعلت مع بعض نواب البرلمان، ومع أنها لقيت حظوة إعلامية متميزة حيث فتحت لها كل المنابر، ومع أنها صارت تتناول جزء من أدبياته بالنقد والتشكيك والتشويه، ومع أنها تقبل حتى الصفع والركل من أجل إتمام مهمتها، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في استفزاز الحزب أو في إشغاله بمعارك جانبية تلهيه عن عمله السياسي في قيادة الناس إلى بر الأمان، نحو استعادة سلطان الإسلام، فلم يلتفت إليها ولم يعتبر أنها موجودة أصلا، لا عند استدراجه إلى العنف أمام مقره ولا عند محاولة استدراجه للمناظرة الفكرية.

وفيما يحاول حزب التحرير المضي قدما بخطى حثيثة نحو تجذير الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية في تونس، وتركيز فكرة الخلافة كواجب شرعي وبديل سياسي لمنظومة سايكس-بيكو المتعفنة، ونحو تشريك القوى الحيّة في البلاد (من أمن وجيش ورجال قانون وغيرهم) في مسار التغيير على أساس الإسلام وبناء الدولة، دون التفات لأي جهة تحاول صرفه عن مساره، نجد أن حكام تونس ماضون في تسخير الأجهزة الأمنية والقضائية لهرسلة شباب حزب التحرير ومحاولة منع نشاطهم واحتكاكهم بالناس.

وما تلفيق التهم والاعتقالات والمحاكمات الغيابية على غرار ما جرى مع الطالب أحمد لطيف من صفاقس أو مع الأستاذ طارق رافع من قابس، إلا دليل صارخ على الظلم المسلط على رقاب حملة الدعوة في تونس.

وهكذا، يتبادل جميع الأطراف الأدوار، لعزل حزب التحرير ومنع التصاقه بالناس ومعرفة آرائه ومواقفه، وحصر الرأي عنه والحكم عليه فيما تتناقله أبواق الاستعمار في بلدنا، فهم يتابعون بيانات ورسائل مكتبه الإعلامي، ويقرؤون جريدته ويستنكرون نشرها في البلاد، ويدركون جيدا جدّية طرحه وحجم مشروعه الشمولي وبعده العالمي ومدى قدرته على تغيير الأوضاع تغييرا جذريا، فضلا عن رفضه للعبث العلماني والصراع الشكلي على الحكم الذي أهرق كاهل هذا الشعب.

وما محاولات منع الحزب دون غيره من الوصول إلى شارع الثورة إلا دليل على تعمد تغييبه من المشهد، ومؤشر على وجود قرارات مفروضة من وراء البحار، حتى وصل الحد ببعض القوى الأمنية إلى تلفيق تهم ترويج ما يعكر صفو النظام العام عند مسك أحد شباب الحزب وهو بصدد توزيع جريدة التحرير، مع أنه لا يوجد في تونس نظام عام، ونحن نعيش الفوضى الخلاقة وسيادة قانون الغاب.

الأنكى من ذلك، أن يحاول النظام المترنح في تونس، توظيف نفس هذه القوى الحيّة القادرة على تحرير البلاد والعباد من ربقة الاستعمار، في مسار ضرب حزب التحرير ومحاولة إنهاء وجوده من الساحة السياسية، خدمة لأجندات أعداء الإسلام والخلافة، ليخلو الجو لقوى الكفر التي تعمل ليلا نهارا من أجل سلخ هذا البلد عن هويته وعن دينه وعن امتداده التاريخي والحضاري لخير أمة أخرجت للناس، فتزعم أنه بلد ثلاثة آلاف سنة حضارة، وأنه مهد لتلاقح الأديان والحضارات، وأننا أحفاد عليسة وحنبعل، ثم ترغمنا على البقاء مجرد مطمورة لروما بعد اعتناق الديانة الإبراهيميّة والعياذ بالله. قال تعالى: “وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال”. سورة إبراهيم – الآية 46.

تونس في مفترق طرق، فما هو سبيل الخلاص؟

إن تونس، هي بلد الزيتونة، منارة العلم، وقبلة العلماء، وهي منطلق الفتوحات الإسلامية إلى أوروبا، وقد سطرت هذه البقعة من الأرض في شمال إفريقيا تاريخا ناصعا ومشرقا في ميادين عدّة، كتبت بأحرف من ذهب، وحقّ لنا أن نفتخر به لأجيال وأجيال، وإن كل ذرة من تراب هذا البلد العزيز لتدل دلالة قاطعة على أننا جزء من أمة عريقة ممتدة جذورها في تاريخ العزة والنصر والعلوّ والسؤدد، حتى تكاد جدران المدن العتيقة تنطق لنا بأنها عاشت شامخة أزمنة مديدة، وأن لها ما يماثلها في شموخها في بلدان عديدة، حيث تحصنت بنفس الأسلوب ونفس الشكل المعماري ضد عدو صليبي متربص بأمة طالما سعى إلى تقسيمها، ودافع داخلها أجدادنا عن العقيدة والدّين بشرف ورجولة وشهامة لا يعرف طعمها العملاء والجواسيس والمرتزقة.

آنست الصحابة، فأسموها تؤنس، وخلّد عدد من الصحابة والتابعين أسماءهم داخلها، وصارت قيروانُها عاصمة للفتوحات ومنطلقا للغزوات فحظيت بشرف تشييد جامع عقبة بن نافع الذي لا تزال “بيت السلاح” بداخله إلى اليوم، شاهدا حسيا ودليلا عمليا على كذب وبهتان دعاة فصل الدين عن الدولة وأعداء الجهاد في سبيل الله، ولذلك فالأصل أن تعزز تونس ذلك الشعور القوي بالانتماء لأمة الإسلام، أمّة النصر والشهادة.

ولكن بدل ردّها إلى أصلها وإلى شرعة ربّها، باحتضان دعوة الخلافة ونصرة حزب التحرير، نرى أن عبيد الرأسمالية ولاعقي أحذية الاستعمار في بلادنا يلهثون وراء جنّة الدجّال فيتمادون في غيّهم بمحاولات إعادتها إلى مربع العلمانية وإلى حضيرة النظام الجمهوري الذي ثار ضده جمهور الشعب في تونس. فعن أي بناء يتحدثون؟ وبأي جمهورية يبشرون؟ وقد تعددت جهات عمالتهم حتى صاروا في تعداد جمهوريّاتهم يخطئون…

إن هذا البلد الطيّب تونس، مهما تكالبت عليه الأعداء ومهما طال ليل أنينه، فسيأتي اليوم الذي يعود فيه إلى حاضنته الطبيعية ضمن خير أمة أخرجت للناس بإذن الله، وسيلتحم بجيرانه دون حدود وهميّة مصطنعة، بعز عزيز أول بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الكفر وأهله. بل إن شرف تونس، هو أن تكون ولاية منيعة في ظل دولة الخلافة الراشدة التي وعدنا بها الله سبحانه وبشرنا بها رسوله الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم، فهل لدعاة الوطنيّة والدساتير الوضعية شرف أكبر من هذا الشرف، أم أنّ بيع أوهام السيادة المزعومة في سوق النخاسة والترويج لكذبة الاستقلال أفضل عندهم من قطع أيادي الاستعمار والعمل على توحيد الأمة؟

إنه لن ينفع حملة لواء العلمانية تمسحهم على أعتاب السفارات الأجنبية، ولا استقواءهم بالقوى الاستعمارية ولا بكاءهم وعويلهم على الدويلات الوطنية وحضائر سايكس-بيكو التي أجرمت في حق الأمة، فهم أول الناس استعدادا لبيعها بالكامل في المزاد العلني مقابل قبلة من زوجة رئيس دولة كافرة فاجرة، بل بلا مقابل إن لزم الأمر، وما المحافل الماسونية والمنظمات العالمية والقواعد العسكرية الأجنبية والشركات الأمنية الخاصة والمخابرات الدولية التي ترتع في بلادنا بلا حسيب أو رقيب واختراقاتها اليوميّة إلا شاهد على خيانة هؤلاء لأوطانهم التي جعلوها مصبّا لنفايات الغرب وأغمضوا أعينهم عن مجرد تعبيد الطريق. فبأي وطنيّة يتشدق أمثال هؤلاء وهم أشبه بالعاهرة حين تحاضر عن العفة والشرف؟ وهل سينفعهم تشويه حزب التحرير ويعلي من شأنهم عند أسيادهم الغربيين أم سينقذهم من غضب أبناء الأمة ونقمتهم عندما تدق ساعة المحاسبة، بل ساعة ركلهم في مزبلة التاريخ؟

إلى أن يتحقق وعد الله الذي لا يخلف وعده، سيظل حزب التحرير ولاية تونس، صداعا مؤلما في رأس هذا النظام المترنح، عسى أن يسقط عن قريب بإذن الله كما نادى بذلك الشعب ذات يوم، وظل ينادي إلى اليوم، فيخزي سقوطه أعداء الله ورسوله. بل عسى أن تصبح القيروان عاصمة للخلافة الراشدة الموعودة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز. وعليه، فإنه حان وقت تمايز الصفوف، وأن تصطف كل القوى الحيّة في صف الأمة ومشروعها الإسلامي العظيم، ففيه العزة وبه الرفعة وبالتمسك به يأتي النصر ويتحقق رضا الرحمان. وليكن شعارنا جميعا: الله يريد.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
Share This