حين تمارس الدولة التدمير الممنهج

حين تمارس الدولة التدمير الممنهج

أقاموا الدنيا و لم يقعدوها.. رابطوا بمقرات وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة, وملؤها حنقا وسخطا على ما حدث في مدرسة “الرقاب القرآنية” هذه المدرسة التي اكتشفها أحد البرامج الاستقصائية مؤخرا والحال أنها موجودة منذ سنة 2012, أي مضى على وجودها أكثر من نصف عقد وظلت كل تلك المدة ولم يتفطن لذلك أحد من الولاة المتعاقبون ولا العمد ولا المعتدون, ولا سلطة الإشراف, ولا الأمن.. رغم أن كل هؤلاء دورهم الأساسي مراقبة  كل ركن له علاقة بتعليم القرآن فما بالك بمدرسة  على شاكلة تلك التي تقع بمدينة الرقاب تلاميذها بالعشرات وبها مبيت و.., كل ذلك ظل مخفيا على الأعين إلى أن جاد علينا الزمان بصحفي عبقري عثر على تلك “المغارة” ليعطي ضربة البداية للمناحة على حقوق الطفل كحقه في التعليم وحقه في الرعاية الصحية ونحو ذلك من الشعارات التي لا أثر لها على أرض الواقع, في ظل وجود ما يسمى بدولة الحداثة..

قلنا الجميع تفاجأ من وجود تلك المدرسة وكأنها موجودة على أرض غير أرض تونس وروادها ليسوا من أبنائنا. ولنفترض جدلا أن السلطات المعنية بالفعل لا تعلم بوجودها, وأن الدولة وغربانها في الإعلام لم يستغلوا تلك الحادثة لمواصلة شن حرب على تحفيظ القرآن الكريم بشكل خاص, ومحاربة الإسلام عموما, ولم يتخذوا من الانتهاكات الحاصلة في تلك المدرسة ذريعة لغلق ما تبقى من مدارس قرآنية ومحوها من الوجود بشكل تام. ولنفترض أنها حقا حريصة على حسن رعاية أطفال تونس, وتجند كل طاقاتها من أجل ضمان جميع حقوقهم كأي دولة مبدئية شغلها الأول والأخير السهر على توفير كل سبل الرقي والتقدم والازدهار لرعاياها, وعليه لنلقي نظرة على واقع التعليم في تونس ومدى التطور والتقدم في هذا المجال.

واقع صادم

أشد ما ساء المتباكين على وضع الأطفال البائس في تلك المدرسة هو إجبارهم على مغادرة مقاعد الدراسة وحرمانهم من نعمة النهل من أنهر العلم, متناسين عن قصد ومع سابقية الإضمار أنه سنويا ينقطع عن التعليم قسرا أكثر من مائة ألف تلميذ السواد الأعظم منهم  تتراوح أعمارهم بين  12 و16 سنة والسبب هو إما عدم قدرة أولياؤهم على مجابهة التكلفة الباهضة للمستلزمات الدراسة, أو بعدت عنهم الشقة ولا طاقة لهم بقطع عشرات الكيلومترات يوميا مشيا على الأقدام. وإن حالفهم الحظ ونجوا من مخاطر الطريق.. كانوا عرضة لمخاطر أخرى تتربص بهم داخل ما يشبه قاعات الدراسة فإما سقوفها كما حدث على سبيل الذكر لا الحصر بمدرسة الهدى بالقيروان يوم 30- سبتمبر سنة 2016 أو بدرسة 20 مارس بسيدي حسين السيجومي يوم 12 جانفي2016  تنذر بالسقوط على الرؤوس بين الفينة والأخرى, أو معرضة لهجوم الكلاب السائبة, وإن نجوا من هذا وذاك فهناك  خطر الأمراض يحدق بهم, خاصة وباء التهاب الكبد الفيروسي فسنة 2017 سجلت في ولاية نابل و حدها 120 إصابة بهذا الداء في المدارس الابتدائية و الإعدادية و المعاهد الثانوية.. وأودى هذا الوباء بحياة تلميذ يسكن بمدينة ماجل بلعباس التابعة لولاية القصرين, وتلميذة تدرس بمدرسة تقع بمنطقة عين الخزازية بولاية القيروان.. وأخرى  بمنطقة السعيدية التابعة لولاية سيدي بوزيد وتعود أسباب إصابة التلاميذ بالالتهاب الكبد الفيروسي إلى شربهما  مياه ملوثة في المدرسة..وتفيد المعطيات أن 3000 مدرسة من أصل 4500مدرسة بالأرياف تفشى فيها التهاب الكبد الفيروسي. هذا وأفادت إحصائيات قامت بهما مصالح تابعة لوزارة الفلاحة أن 120 مدرسة تقع جميعها في الأرياف ينعدم فيها الماء الصالح للشراب..والأكيد المؤكد أن ما خفي أعظم. علما أن نسبة الأمية في تونس بلغت 19,1 بالمائة. وحتى يكتمل هذا المشهد القاتم استعدت الدولة تمام الاستعداد لاستقبال جحافل المنقطعين مبكرا عن التعليم فاستقبلتهم بقوانين تبيح استهلاك المخدرات, وجهزت لهم إعلاما أقل ما يقال عنه أنه يؤزّهم أزا لينجرفوا نحو الرذيلة والانحلال والتفسخ. وإلى جانب ما ذكرنا هناك عامل أخر هام ولعله هو الأهم  أدى إلى هجر عدد كبير جدا لمقاعد الدراسة هو طبيعة مناهج التعليم الخالية تماما من كل ما من شأنه يساعد  أن على تكوين الفكر ويشجع على الإبداع والابتكار.. والعاجزة كل العجز على إيجاد الشخصية المميزة القادرة على إفادة البلاد والعباد.

إذن فشجب ما وقع اكتشافه في مدرسة الرقاب- هم على علم به- تمارسه هذه الدولة. فعلاوة على رعايتها للجهل والتخلف, أطلقت العنان لسفهائها من الإعلاميين والمسمين زورا بالمثقفين وقطعان المضبوعين بنمط عيش الغرب ووجهة نظره للحياة ليدافعوا عن الشواذ وكل المارقين عن القيم وتحديدا المناوئين لأحكام الإسلام المنظمة والضابطة لسلوك الإنسان.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This