زيارة ماكرون أو الصفع على القفا

زيارة ماكرون أو الصفع على القفا

      بين  سعادة نواب مجلس الشعب التونسي بتصفيقهم لإشادة، الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون  حين خطب فيهم يوم 1 فيفري 2018 تحت قبة برلمانهم، بجهودهم التي ” أرسوا بها” ما أسماها ب ” الثورة الثقافية في تونس” والتي أباحت حرية الضمير والمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مضيفا ” أن هذه الثورة الثقافية ضد أحكام الإسلام لايمكن العودة عنها”(هكذا).

    بين الهالة الإعلامية التي أحيطت بها زيارته هذه لبلدنا والتراتيب البروتوكولية التي لاتعد لرئيس تونسي يزور فرنسا والتي وصلت حد تمكين رئيس فرنسا الإستعمارية الإلتحام مع جمهرة من الناس قد أعدوا سلفا للغرض، في صورة إذلال دفعت بالنساء والرجال حد تقبيله وتسول ” فيزا ” الدخول إلى فرنسا على قارعة الطريق من رئيس لازالت بلاده الإستعمارية تحتفظ إلى اليوم بعشرات الآلاف من جماجم المقاومين لاحتلالها لبلدانهم وخاصة من الجزائريين في متحف، تمجيدا لتاريخها الإستعماري، حائلة دون إجلال الموت بدفنهم بل واعتبار أن محتويات المتحف من هذه الجماجم ملك للدولة الفرنسية، وهي الجريمة التي لم ترتكبها أي دولة في التاريخ البشري.

    وبين الصورة التي يرسمها الفرنسيون لبلادنا حين استقبلت وزيرة أقاليم ما وراء البحار رئيس الوزراء يوسف الشاهد أثناء زيارته لباريس يومي 09 ـ و 10 نوفمبر 2016، تأكيدا على إصرارها على أن لا تترك الفرصة دون أن تمعن في إذلال رموز الدولة التونسية الذين رضوا الدنية في أنفسهم، وهو ما تجلى بوضوح تام في موقف السلطة الرابعة الفرنسية، الإعلام، ونظرة الإستهانة بتونس حين نشرت مجلة شارلي هبدوكاريكاتورا أهانت به تونس ورئيسها وجهاز الأمن دون أن يبدر عن أي جهة رسمية موقف استنكار أو انتصارا لكرامتهم، وحالهم يتذرع بقدسية مفاهيم حرية الرأي والصحافة.

     تحت هذه الصورة الإعلامية وموقف الساسة الفرنسيين من مسؤولي مستعمراتهم السابقة، يمكن أن نفهم ضحالة النتائج التي تمخضت عنها هذه الزيارة، خاصة بعد أن أصبحت قاعدة التعامل المحلي مع القوى المهيمنة ترتكز أمرين لاثالث لهما:

      1 ـ إن الثورة نجحت، بزعمهم، في إقامة الديمقراطية، وهو مايطمئن العالم الغربي الإستعماري، وأن مفاهيمه عن الحياة ونظمه المنبثقة عن فكرة فصل الدين عن الحياة هي التي تتبناها النخب السياسية وأنهم يعملون على ترسيخها وإقامة مؤسساتها في تخلّ كامل عن مفاهيمنا عن الحياة  .

    2 ـ إن فشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في معالجة الوضع الإقتصادي الذي تمر به تونس وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية و التنمية الجهوية هو ما يشكل تهديدا لهذه الديمقراطية، مما يتوجب على الغرب دعماً مالياً لها أكبر للمساعدة في تحقيق هذا التحول الاقتصادي. بل هناك من يرى أن تونس تحتاج لمشروع مارشال، في استعداد كامل لربط البلاد بالقوى العالمية المهيمنة ورهن إرادتها بها في مختلف متطلبات الحياة

    وعلى هذا يعيش المتسلطون على سلطة مابعد الثورة في وهم أن الغرب سيساعدهم على تثبيت سلطانهم بمقايضته على تثبيت نمط العيش الذي يتباناه وفرضه بكل الأساليب والوسائل على أمة الإسلام التي تعمل بكل ما أوتيت من جهد للإنفكاك من نيره واستعادة إرادتها. إلا أن هذا الغرب المهيمن على العالم وعلى بلاد الإسلام خاصة، يعلم أن استنزاف خيراتها الأمة هو من أهم أسباب تقدمه وغناه، وهويعمل جاهدا على إدامة هيمنته تلك بأن يأخذ من هؤلاء الحكام كل ما يريد دون أن يعطيهم في المقابل أيّ شئ، خاصة وأنه يمر بأزمة خطيرة على المستويات السياسية والإقتصادية والحضارية عموما بعد أن بدأت تتكشف سوءات النظام الرأسمالي وعدم قدرته على الإستجابة لمختلف متطلبات الحياة والتحولات المجتمعية.

 فالناظر في نتائج المحادثات بين الجانب التونسي والفرنسي لايرى إلا إعلانات نوايا كالإعلان المشترك حول أولويات الشراكة الفرنسية التونسية، أو إعلان نوايا التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب ومحاربة تمويل الإرهاب والتطرف، أو إعلان النوايا لمبادرة الشباب ومبادرة ريادة الأعمال والمبادرة الرقمية في تونس.

   ولعلّ تعديل البروتوكول المالي المتعلق ببرنامج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الصغيرة ما يعتبره الطرف التونسي مكسبا، أو ملحق الاتفاق بشأن تنفيذ تحويل الديون في مشروعات تنمية والموقعة منذ 22 جانفي 2016 دون أن يكون لها أثر يذكر، مقابل إمضاء إعلان نوايا بين وزارتي التعليم العالي الفرنسية والتونسية لإنشاء جامعة فرنسية تونسية لأفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​والذي يصب في سياسة فرنسا الإستعمارية بالعمل على فرض ثقافتها على ما تبقى من نفوذ لها في مستعمراتها القديمة.

   إلا أن ضحالة النتائج المترتبة على زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس تفرض البحث في الأسباب الموضوعية لذلك، ومما يجدر التنبيه له هو تواجد وزير بريطانيا المكلف بشؤون الامن ” بين والاس ” في تونس في نفس فترة وصول ماكرون إليها وقيامه بسلسلة من الاجتماعات مع ممثلي الحكومة التونسية للتحادث في سبل دعم العلاقات الثنائية بين تونس المملكة المتحدة في مجالات السياسات الامنية وعلاقات التبادل التجاري ودعم الأمن في العالم(هكذا )، خاصة بعد جملة الإتفاقيات التي كبلت به بريطانيا تونس الثورة، كتلك المتعلقة بمصالح رئاسة الحكومة، ووزارة الداخلية، ووزارة المالية، أو المؤسسات الإعلامية علاوة على المجالات الإقتصادية ومصادر الطاقة التي لبريطانيا قصب السبق فيها، مانّا على البلاد أن بريطانيا ترى أن السلطات التونسية تمكنت من إعادة الاستقرار وتحقيق الأمن في مختلف محافظات البلاد، وأن ممثلي وكالات الأسفار البريطانية يعتزمون إعادة إطلاق الرحلات السياحية من بريطانيا إلى تونس، بعد تعديل الحكومة البريطانية لنصائح السفر إلى بلادنا خلال 2017.

     فوجود الوزير البريطاني  المكلف بشؤون الأمن في تونس أيام زيارة الرئيس الفرنسي يمكن أن تفهم  في إطار مسألتين تدل عليها مخرجات محادثات ماكرون مع المسؤولين التونسيين الهزيلة  والتي لا ترتقي إلى الهالة الإعلامية التي صاحبتها، ثم ما رشحت به الكواليس من أن هناك اتصالات أخرى أجريت في الغرف الخلفية.

    المسألة الأولى: متابعة زيارة ماكرون ومراقبة أداء أطراف الحوار من المسؤولين التونسيين لما هو معلوم من السياسة البريطانية في توظيفها للقوى الإقليمية لفائدتها وحرصها على المحافظة على مناطق نفوذها

   المسألة الثانية: المحادثات التي رشح أن ماكرون أجراها مع فايز السراج رئيس حكومة التوافق الوطني والتي لايمكن أن لا تكون للوزير البريطاني لقاءات مع السراج والذي لم يعلن عن وجوده في تونس، خاصة وأن الموقف الفرنسي من الأحداث في ليبيا يقترب أكثر من الموقف الأمريكي التي تجعل من الأمم المتحدة أداة لها في إدارة الصراع هناك، فهي ترى ضرورة التطبيق السريع لخطة الأمم المتحدة والتي تنص على الحوار الوطني لإخراج البلاد من الفوضى، وتمكين القائد العسكري خليفة حفتر من موقع في الساحة السياسية الليبية وتبييض صورته أمام الرأي العام هناك، وهو الأمر التي ترى فيه بريطانيا خطرا على نفوذها في ليبيا والذي ضمنه لها الهالك “القذافي” لعقود طويلة في محاولة لإغراء فرنسا ببعض الفتات بالسير معها في هذا الإتجاه وإلا فإنها ستفقد كل شئ، إلا أن الحديث عن بعض الإجراءات كتحويل بعض الديون الفرنسية إلى استثمارات أو القول بأن تونس أصبحت بلدا آمنا ولا خوف على السياح البريطانيين من زيارتها وغيرها ماهي إلّا ذرّ للرماد في العيون، وتعمية عن الحقائق.

عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This