سياسة الاقتراض من المؤسسات المالية جريمة كبرى

سياسة الاقتراض من المؤسسات المالية جريمة كبرى

بعد أن عقدت حكومة إلياس الفخفاخ اتفاقا مع صندوق النّقد الدّولي ضمن “برنامج كورونا” للحصول على مبلغ يتجاوز  400مليون دولار، أعلنت الحكومة يوم الجمعة  10أفريل2020 على موافقة الصندوق منحها قرضا بقيمة 745 مليون دولار لمجابهة أثار فيروس كورونا، وسيتم صرفه الأسبوع المقبل، بحسب ما صرح به سليم العزابي وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في برنامج “موزاييك بلوس” مساء يوم الجمعة 10  أفريل 2020

الإقتراض سياسة الحكومات المتعاقبة

لم يكن هذا القرض الأول ولن يكون الأخير، فقد درجت الحكومات المتعاقبة على اتباع سياسة التداين من المؤسسات المالية الدولية كخيار استراتيجي، حيث صرح بذلك وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي السابق زياد العذاري بمجلس النواب في 28 جويلية 2018 عندما دعا النواب المشككين في الاقتراض إلى تقديم حلول غير التوجه إلى الاقتراض، وهو ما أكده في17 جويلية 2019 وزير المالية السابق  رضا شلغوم أثناء مصادقة مجلس النواب على قرض تم الاتفاق عليه مسبقا بقوله” ما فماش حل كان نتسلفو”، أي ليس هناك حل أمام تونس سوى الإقتراض.

وقد تحصلت تونس على 1.8 مليار دولار من القرض الممدد المقدر ب2.9  مليار دولار الذي تم إبرامه مع صندوق النقد الدولي أيام حكومة الحبيب الصيد سنة 2016، وتسلمت تونس منه خمسة أقساط، في حين امتنع الصندوق عن تقديم القسطين الأخيرين بسبب عدم التزام حكومة الشاهد فترة الانتخابات بتوصيات الصندوق المقررة تلك الفترة، وذلك بالرغم من أن تونس نفذت85  بالمائة من “الإصلاحات” بحسب ما صرح به توفيق الراجحي الوزير المكلف بالاصلاحات الكبرى وصاحب مقولة “إذا كان معك صندوق النقد الدولي فضع في بطنك بطيخة صيفي”، وهو ما يؤكد أنّ وظيفة صندوق النقد الدولي الأساسيّة في العالم هي بسط النفوذ عن طريق الشروط التي يفرضها على الدّول، وهي غير قابلة للنّقاش أو التّفاوض، وقد يسمح الصندوق بإمهال الدّول مدّة من الزمن لتطبيق شروطه ولكنّه لا يسمح بتغييرها مطلقا، بدليل أنّه ألغى القسطين ، السادس والسابع بسبب عدم التزام الحكومة السابقة ببعض إملاءاته فترة الانتخابات.

من أين تأتي الدولة بالمال إذا لم تقترض ؟

رب قائل يقول: من أين تأتي الدولة بالمال لقضاء مصالح الناس ورعاية شؤونهم إذا لم تقترض ولم تفرض على الناس الضرائب؟ وَجوابا عن هذا التساؤل نقول:

إن المشكلة الاقتصادية ليست في قلة الثروات في تونس ولا في زيادة الاستهلاك ولا الاستيراد، ولا في فقر البلاد، فتونس تملك مصادر اقتصاد غنية؛ فالمساحة الإجمالية للبلد 16.4 مليون هكتار، ومساحة الأراضي الفلاحية 10,5  مليون هكتار، منها حوالي5  مليون هكتار قابلة للزراعة، و 5.5 مليون هكتار غابات ومراعي، وتنوّع المناخ ينتج محاصيل متعددة ومتنوعة، وتملك تونس ثروة حيوانية هائلة من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، وثروة سمكية تقدر بـمئات الآلاف من الأطنان سنويا، وحسبما تسرب من دراسات فإن تونس تملك مخزونا من الغاز يقدر بسبعة مرات ما تملكه قطر، فحقل ميسكار وحده يوفر لتونس60  بالمائة مما تحتاجه البلاد من الطاقة ولكن وقع تسليمه للشركات الأجنبية وتدفع الدولة لهم ملياري دينار بالعملة الصعبة مقابل ما تنتجه أرضنا من الغاز، كما تملك تونس احتياطي هائل من النفط تشهد بذلك عشرات الشركات الأجنبية المنتشر في طول البلاد وعرضها وتنهب النفط دون عدادات ودون حسيب ولا رقيب، وتملك جبال تونس المعادن الثمينة وغير الثمينة والمعادن النادرة، مثل الحديد والجبس والرخام والفسفاط واليورانيوم والذهب والفضة والنحاس والحديد والنيكل والزنك وغيرها، ولها موقع استراتيجي هام، وأما الجهد البشري فعدد سكان تونس يزيد على11  مليون نسمة؛ أغلبهم في سن العطاء، و لهم كفاءات علمية وصناعية وتكنولوجية قادرة على إحداث ثورة صناعية، وتمتد تونس على شاطئ طوله أكثر من 1000كم، ومصانع للإسمنت والحديد، وبعض الخدمات التي تحتاج إلى تطوير، ورغم تلك الإمكانيات والمقدرات إلا أن أهل تونس يعيشون في حالة الفقر والعوز..

التحرر من الهيمنة وامتلاك القرار

إن عدم استخدام الطاقات والموارد المتوفرة يؤكد أن الدولة غير مسموح لها باستغلال هذه الثروات بالشكل الذي يجعلها تتحرر من سيطرة الدول الكبرى ومؤسساتها المالية، فصار حتما عليها أن تلجأ إلى فرض الضرائب على الناس (أي من الدول الكافرة المستمِرة) وصارت تعمل على الإغراءات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية لتستثمر في البلد رغم ما تجره من عاقب وخيمة.

إن المطلوب للخروج من الأزمة الحالية هو التعويل على أنفسنا، ففي فترة الأزمات لا يحتاج الناس إلا لتوفير الغذاء والدواء، وهي أمور ممكنة، فثرواتنا الزراعية والبحرية وحدها قادرة على إطعامنا دون الحاجة إلى صندوق النقد وجرعاته المميتة، وقد أظهر عدد من المتخصصين والباحثين في بلادنا قدرتهم على تصنيع ما يلزمنا من دواء ومستحضرات طبية، وطائرات، وغيرها.. ولكن المشكلة في النظام الرأسمالي الجشع وارتهان القرار السياسي بيد القوي الغربية.

د. الأسعد العجيلي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This