على هامش افتتاح “مدينة الثقافة” بتونس… نعم للثقافة ولكن أي ثقافة تريدون…

على هامش افتتاح “مدينة الثقافة” بتونس… نعم للثقافة ولكن أي ثقافة تريدون…

أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مساء الأربعاء 21 مارس 2018 عن افتتاح مدينة الثقافة رسميا، وسط حضور كبير للفنانين والمثقفين ورجال السياسة وبعض أعضاء الحكومة.

وحضر رئيس الجمهورية حفل افتتاح مدينة الثقافة رفقة رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس مجلس النواب محمد الناصر, وقبل أن يعلن عن افتتاح المدينة رسميا ألقى وزير الشؤون الثقافية كلمة أبرز خلالها أن مدينة الثقافة ستكون منارة ثقافية حقيقية، تجتمع فيها أقطاب الثقافة في تونس، مثمنا جهود كل الذين ساهموا في بناء هذا الصرح الثقافي.

 وقال الباجي قائد السبسي، في تصريح إعلامي أن هذه المرّة الأولى التي يتم فيها إنجاز مثل هذا المشروع في تونس بقطع النظر عن تكاليفه المادية، معتبرا أن “المعاني المنبثقة عن هذا المشروع هامة”.

وشدّد على أن “الثقافة هي الرصيد الأساسي لمقاومة الإرهاب”، واصفا هذا الإنجاز بمشروع الحياة والتقدم والرقي، داعيا التونسيين إلى التفاؤل والثقة في النفس.

مدينة للثقافة نعم.. و لكن…

لم يتعرض أحد إلى مضمون هذه الثقافة ومدينتها, وما هي الرهانات التي تطرحها لمقاومة الاستعمار الثقافي الغربي بكل أشكاله وما هي روافدها أي الزاوية التي تنطلق على أساسها, أهي العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من تـشريعات أم هي العقيدة الكنسية في ثوبها الديمقراطي “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لقيصر أيضا..”

فان كانت الثقافة التي تبشرون بها هي من جنس الفكرة الغربية ومن بنات أفكار جون لوك وجون جاك روسو فإننا نؤكد أن النتائج التي سوف نعيشها لا تحتاج إلى طول تفكير, فملامحها ظاهرة للعيان منذ قرون وتطفح بها الساحة التونسية في شكل عقم فكري وصل بالنخبة عندنا إلى حالة عجز تام عن الخروج من قيود الفكر الغربي, في حالة إقرار علني بعدم القدرة على الإنتاج الذاتي دون العودة إلى أسس الهويّة الثقافية الغربية, فإما اليونان الجديد أو اليمن الشقي أو فلسطين المغتصبة وها أنتم تمسكون بدفة الثقافة منذ سقوط دولة الخلافة على يد زعيم المثقفين الهالك مصطفى كمال أبو الهالكين..

وفي هذا الإطار تكمن رمزية تدشين معرض ” الحداثة التونسية” في اليوم الأول للافتتاح لهو رسالة قوية إلى المجتمع الغربي يؤكد فيها “المتحكم-السبسي” إصراره على القطع الكامل مع هوية الأمة الإسلامية وتبني المشروع “الحداثي” في جميع تفاصيله من الحكم إلى التشريع إلى المساواة في الميراث وغيرها من القضايا, وليس ذلك إلا حرصا منه على الوفاء ل”المسؤول الكبير” الذي مكنه وغيره على الأقل من مقعد على كرسي للتسلط معوج أو متحرك لا يهم.

كما أفاد السبسي “أن تونس تسير بالاتجاه الصحيح” ولعله هنا يقصد الاتجاه الصحيح نحو أحضان السفير الفرنسي ودولته, وقد سبقه في ذلك سلفه بورقيبة الذي رهن العقل التونسي للثقافة الفرنسية وجعل من منهج التعليم مصبّا للتجارب الفرنسية المليئة بالفكر الحاقد على الاسلام, إذ قال في معرض حديثه مع إحدى الصحف الفرنسية “إن مستقبلنا مرتبط بمستقبل الغرب عموما ومتضامن مع مستقبل فرنسا خاصة ونحن نتجه اليوم من جديد إلى فرنسا” وكان ذلك الحديث عن موقفه من الفرنكفونية الفرنسية.. وان هذا التطابق بينهما رغم الامتداد التاريخي بينها ليؤكد من جديد سير سدنة المعبد السياسي في بلادنا نحو الارتهان الثقافي على وجه السرعة..ولكن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

نعم إن الثقافة هي الرصيد الأساسي لخوض المعارك الحضارية ولمقاومة الإرهاب (المخطط والأداة والممول على حد السواء).. الإرهاب المعلب الذي انتهت صلوحيته مع تنامي الوعي في الأمة وكشف زيف “الثقافة المسرحية الغربية” وعدم قدرتها على تصور ثقافة السعادة وإيجادها واقعا عمليا لدى الشباب المعطل عن الإنتاج الفعلي للفكر والثقافة التي ستقوم على نهضته ونهضة المجتمع ككل.

كما نتساءل من جديد عن ماهية الثقافة السياسية لدى مضبوعي الثقافة الغربية هل سيتم ترويج ثقافة التثبيط التي تحمل شعار “ليس بالإمكان أبدع مما كان” و “عاش الملك مات الملك” أم سيتم الترويج لثقافة محاسبة الحاكم باعتبارها فرضا موثقا بالأدلة الشرعية فيجعل الحياة السياسية في حراك دائم متجدد من باب “أخطأ عمر و أصابت امرأة”

وماذا عن الثقافة العسكرية لأهل القوة في الأمة الإسلامية؟ هل ستكون مستوردا انجليزيا أم أمريكيا؟ وهل سيتم تثقيف الجيوش على تجاوز الحدود الإقليمية سليلة سايكس و بيكو ويكون تحرير بيت المقدس هو الهدف ونشر الدعوة إلى الخارج بكسر الحواجز المادية هو فرض الفروض على حد قول المعتصم لنكفور كلب الروم “جيش أوله عندك و آخره عندي يحبون الموت كما تحبون الحياة”… أم غير ذلك؟ فان كان ما تبشرون به من ثقافة عكس هوية الأمة وعقيدتها حماية للعروش والمنشات النفطية فإنكم من جديد عكس التيار وفي الخندق الخطأ ومن هنا فان مدينة الثقافة جديدة البناء قديمة الطرح فكرا ومعالجة.. وما هي إلا قنطرة لتمرير الغزو الفكري وتأبيده.

في الأخير تجدر بنا الإشارة إلى أن الصراع الدولي على شمال إفريقيا لا يخفى على ذي بصيرة.. ومنه سنرى في قادم الأيام نتائج هذا الصراع في أزقة الإعلام الضيق, وسنشهد حرب الشوارع الثقافية وعصابات المافيا الفرنكفونية والانجلو_سكسونية كما هي الحال في سدة الحكم وفي ساحات رجال الأعمال.

محمد السحباني

CATEGORIES
TAGS
Share This