في خدعة المفاهيم: الفرق بين الأمن الغذائي والسيادة الغذائية

في خدعة المفاهيم: الفرق بين الأمن الغذائي والسيادة الغذائية

تستعمل الأجهزة الحكومية في بلادنا كما في باقي بلاد المسلمين حول العالم جملة من المفاهيم المغلوطة والموجّهة, وتروّج لها في إطار تبعية كلية لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي غربي يختلف جذريا عما لدينا كمسلمين من نظرة للجانب الفلاحي وارتباطه الوثيق بالسيادة بشكل عام, من تلك المفاهيم مفهومي “الأمن الغذائي والسيادة الغذائية”, وعليه لا بد من أن نتمثل بشكل واضح ودقيق معنى كل مفهوم منهما.

  • الأمن الغذائي والسيادة الغذائية, ثنائية مفاهمية على درجة عالية من التناقض, ينتصر فيها كل مفهوم إلى تصوّر فلاحي وزراعي يمثل نتاجا لوجهة نظر خاصة للمجال الفلاحي وتعبيرة لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي ومجتمعي مختلف عن الآخر ونقيض له.

  • – يتمثل الإشكال الأساسي في هذين المفهومين في خلفيات كلّ منهما وآفاقه وانعكاساته كمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي ومجتمعي.

  • السيادة الغذائية تعطي الأولوية المطلقة للزراعات المحلية وتؤسس لمشروع نهضوي قوامه مركزية الفلاح كفاعل رئيسي في عملية الإنتاج.

  • السيادة الغذائية تقوم مبدئيا على ربط أسعار الغذاء بتكاليف إنتاجها حتى يؤمن للفلاحين ظروف عيش كريم وإمكانيات استدامة نشاطهم.

  • “الأمن الغذائي” هو المصطلح الأكثر رواجا واستعمالا من السياسيين والمسؤولين الرسميين, وكذلك من قبل المؤسسات الدولية المالية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومختلف المؤسسات المالية الدولية الأخرى.

  • ظهر مصطلح الأمن الغذائي في نهاية ستينات القرن الماضي ويعرّف حسب منظمة الأغذية والزراعة الدولية “الفاو” ب “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين, بما يلبي احتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة”.

  • يلاحظ في التعريف المعتمد أعلاه أن جوهر مفهوم الأن الغذائي يتلخص في “توفير الغذاء” دون التعرض لسبل وإمكانيات توفيره, وهنا يكمن الإشكال الرئيسي.

  • إذ يعالج مفهوم الأمن الغذائي مسألة توفير (أو وفرة) الاحتياجات الغذائية عالميا وإقليميا ومحليّا دون ارتباطها بعملية الإنتاج المحلي, أي أن تصبح مهمة توفير الإحتياجات الغذائية عابرة للجغرافيا وللحدود دون أن يكون للمزارع المحلي ولا للموارد المحلية والذاتية فعل أساسي في تحقيقها.

  • مفهوم الأمن الغذائي يستبعد المسؤولية الإلزامية للإنتاج المحلي في توفير الاحتياجات الغذائية ويطرح سياسة التوريد كحل أساسي.

  • الترويج لفكرة التوريد كحل سحري لمشكل نقص الغذاء ينطوي على خدعة لتكريس تبعية الدول وسلبها سيادتها بغاية إخضاعها والتحكم في قرارها.

  • الفلاحة الصغرى والمتوسطة مصيرها التفقير والاندثار إذا تواصلت سياسة إغراق السوق بالمنتوجات الموردة تحت غطاء عولمة الأمن الغذائي.

يتضح لنا ممّا تقدّم أن مفهوم “الأمن الغذائي” يحمل مغالطة كبرى وخطيرة تترجم مصالح النظام الرأسمالي العالمي, عبر ما يشكّله من مؤسسات مالية دولية وشركات كبرى. وتوظيفه لسلاح الغذاء وفقا لأجندات التحكم في خيرات الشعوب ومقدّراتها.

فالأمن الغذائي هو في النهاية ليس سوى تعبيرة عن ضمان ديمومة أمن ومصالح المستثمرين العالميين في تجويع الشعوب وسلب إرادتها.

ورغم أن أغلب صغار الفلاحين والمتوسطين منهم في تونس الخضراء لا يتمثلون المعنى الدقيق له, إلا أنهم يمتلكون توصيفا مختزلا لمفهوم السيادة الغذائية باعتمادهم لأمثال ومقولات اقتبسوها من واقعهم المعيش, منها على سبيل الذكر لا الحصر: “باش تكون سيد راسِك لازم لقمتك تكون من فاسِك”.

هنا نقول أنّ ما يضني ويزيد الطين بلّة هو أن الطّبقة السّياسية في تونس عاجزة عن تدبير أمر البلاد والعباد وأعجز عن إدارة قطاع الفلاحة برغم مرور عقد كامل من الزّمن على ثورة طالب الشعب فيها بالسيادة على أرضه واسترداد حقه في التصرف فيها واستدرار منافعها وخيراتها دونما وصاية من أحد ولا مقاسمة مع من كان يفتكها منه جبرا. طبقة سياسية لا تزال تصرّ على ملازمة خطى القوى الرأسمالية الاستعمارية المهيمنة التي تُخضِع تونس لنظام أفقد هذا البلد المسلم خصوصيته في حقيقة عدل الله القاضي بعلوّ المسلم ودوام كرامته وسيادته في جميع أمره.

فقد تم توريد ساسة لا خلاق لهم مع الحكم الرشيد المستمد من قوة الله, فظلوا أهون وأضعف من أن يرتقوا بتسيير البلاد للحكم بما يليق بشعب صابر صامد مقهور ومغلوب على أمره يرزح تحت وطأة الفقر وترتعد فرائصه فزعا من جائحة لا عهد له بها ولا يملك حيلة لصدّها ومازال في حالة انتظار «قاتلة» للقادم «المجهول» عساه يكون خيرا. والمعلون يقينا أن الخير كل الخير في حكم الله ونظامه الذي نرجو أن يكون ميعاد إرسائه قريبا بإذن الله تعالى.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This