فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوه.. حين تتحوّل الخيانة وجهة نظر

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوه.. حين تتحوّل الخيانة وجهة نظر

مصلحة تونس والتّونسيّين، حبّ تونس، خدمة شعبها، عبارات يكثر دورانها على ألسن السياسيين حكاما ومعارضة.
ولمّا كان واقع التّدخّلات الأجنبيّة ظاهرا ظهورا عجزوا عن إخفائه، قالوا بتلاقي المصالح مصالح الشّعب التّونسي بالغرب.
وأنّ من مصلحة تونس ومصلحة أوروبا أن تخرج تونس من أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة ولذلك زعموا أنّ التّدخّلات الأجنبيّة هي لمساعدة تونس وفي مصلحتها، وأنّ ما يحدث من أزمات إن هو إلّا عقبات الطّريق التي لا مناص من اجتيازها.
ولكنّنا حين ننظر في ملامح الطّريق الذي رُسم لتونس نتساءل عمّن رسمه ولمصلحة من؟
قالوا: تونس كيان مستقلّ، ويظهر من هذا الكلام أنّه مستقلّ عن كلّ الدّول الأخرى وبخاصّة دول الاستعمار وأنّ أهلها هم أصحاب القرار فيها.
وقالوا: نحن لسنا معزولين عن العالم، وعلاقاتنا به قائمة على أساس المصالح المتبادلة، فإن كانت الدّيمقراطيّة مصلحة غربيّة فهي مصلحة تونسيّة من باب أولى، أمّا عن صندوق النّقد والبنك العالميّين فقد تلاقت مصالحنا بمصالحهم، فلا مشكلة في التّعامل معهم.
وقالوا: علاقاتنا جيّدة مع دول العالم الشقيقة والصّديقة تلاقت مصالحهم بمصالحنا. وهكذا هي السياسة.
هذه هي خلاصة الأقوال التي يردّدها السياسيّون وهذا هو الطّريق الذي يريدون من شعب تونس أن يسلكه.
ولكنّ المتأمّل في هذا الطّريق يرى:
1- الأهداف الاستراتيجيّة يرسمها قادة الغرب الذين اجتمعوا بعد الحرب العالميّة الثّانية ليُعلنوا هيمنة فكرهم وحضارتهم على العالم، ومن ثمّ وزّعوا الأدوار على شعوب العالم، الشّعوب الغربيّة تكون في الصّدارة لها الخلق والابتكار والتسيير أمّا باقي الشّعوب فخدم وتبع للغرب ويكفيهم أن يضمنوا أكلا جيّدا ومسكنا لائقا ….. وإن نبغ منّا عقل وبان من أبنائنا عبقريّة فيأخذونها عندهم لتصبح منهم ونبقى نحن مجرّد خزّان (احتياط استراتيجي) نمدّ الغرب باليد العاملة الرخيصة والعقول الفذّة.
2- امّا ادّعاء استقلال تونس، فحديث خرافة لا واقع له، فالتّدخّلات الغربيّة في أدقّ تفاصيل تونس ماثل للعيان، فهذا مبعوث صندوق النّقد هذه الأيّام يجوس خلال البلاد يلتقي “رجال الأعمال” والمسؤولين والمهمّة؟ تحديد السياسة الجبائيّة بل رسم جزئيّاتها وتفاصيلها لتنفّذها الوزارة، وهذا رئيس فرنسا يهاتف قيس سعيّد ليتدخّل في شؤون تونس، وهذه أمريكا تتحيّن الفرص والثّغرات لتزاحم النّفوذ الأوروبي في تونس، وهذا الرئيس يبشّر التّونسيين بالأمن الغذائي بواسطة قرض مهلك من البنك الدّولي ذراع الأخطبوط الرّأسمالي الاستعماري… بأين القرار وبيد من هو؟ من يقرّر مصير تونس؟ من يخطّط ويرسم الأهداف؟ من يضع خطوات والتّفاصيل؟ كلّه بيد الغرب
3- ماذا بقي لـ”حكّام” تونس؟ وضعوا دستورا جديدا، عظيم وما فائدته؟ يوحّد السّلطة ويجعلها شديدة التّمركز لماذا؟ ليسهل تنفيذ المخطّطات والأهداف المرسومة من وراء البحار،
4- ما دور المعارضة؟ استرجاع الدّيمقراطيّة ودحر الانقلاب؟ ولكن ماذا تنتظر؟ وهل هم جادّون في قولهم؟ هل تحرّكاتهم جدّيّة من أجل إسقاط الانقلاب؟ بل هم لم يؤمروا بعد، لم تأتهم الأوامر من وراء البحار، الأوامر الصّادرة صدرت يوم 26 جويلية 2021 صدرت بالعودة إلى البيوت والانتظار، فانتظروا، وحتّى لا يفلت زمام الشّارع، أمروا بالخروج “المدروس” مرّة كلّ شهر للتنديد بالانقلاب أو قل لتنفيس الاحتقان وإنعاش الأماني المخدّرة.. ثمّ جاء الاستفتاء ففسحوا له المجال عريضا وهم يصرخون ويندّدون بالإنقلاب وضرورة دحره، ثمّ يخرج “زعماء” المعارضة يسلّمون بالأمر الواقع يتحدّثون عن القانون الانتخابي الجديد، وإقصاء المعارضة ….. بما يعني أنّ أمر دحر الانقلاب ليس إلّا حديث ألهية، وطبخة الحصى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تبقى المعارضة صريحة للرئيس تحسّبا لفشله واستباقا للانفجار الشّعبي، لتكون المعارضة هي الملاذ الوحيد ولتتمكّن من ركوب موجة الثّورة، ولأجل ذلك لم تكن المعارضة واحدة بل جُعلت “معارضات” أقطابها ثلاثة: النّهضة والدّستوريين واتّحاد الشّغل، أمّا البقيّة فديكور للمشهد لا أكثر.
الخلاصة أنّ الهيمنة الأجنبيّة على تونس يزداد إحكامها ويضيق طوق الحصار على الشّعب التّونسيّ وثورته من أجل قتلها ووأدها نهائيّا.
هذا الوسط السّياسي العلماني بكلّ شقوقه (النّهضة، الدّستوريين، اتّحاد الشّغل،…..) يرسّخ تبعيّة تونس لأوروبا تونس، ويزعمون أنّ هاته التّبعيّة إن هي إلّا من قبيل تلاقي المصالح، فالدّيمقراطيّة التي أقصت الإسلام دين الشّعب التّونسيّ إقصاء ظالما متجبّرا هي بزعمهم مصلحة، ولكن لمن؟ الدّيمقراطيّة التي جعلت أتباع الغرب المستعمر يتسلّلون إلى مراكز القرار في تونس بعد ثورة كادت تُطيخ بهم هي عندهم مصلحة، ولكن لمن؟ والسّياسات الاقتصاديّة التي فرضتها الدّوائر الغربيّة الرأسماليّة ورهنت تونس بقروض مهلكة ظالمة هي الأخرى مصلحة، ولكن لمن؟

قاتلهم الله أنّى يؤفكون؟ أين تلاقي المصالح؟ أين مصالحنا، الشّعب يجوع: أكثر من ربُعه تحت خطّ الفقر والبقيّة يعيشون الفقر، وهناك المزيد… هذا وثروات البلاد لا أحد يتحدّث عنها بل يُنكرونها ويزعمون أن لا ثروة عندنا ويردّد رئيسهم أكاذيب الهالك بورقيبة (تونس عندها المادّة الشّخمة)، ألم يقل سعيّد أنّ تونس أقرضت العالم أكثر من أموال البنوك؟
ونقول له لماذا نُقرضهم ونحن في أشدّ الحاجة؟ لماذا نعطيهم عقولنا وهي أغلى من الأموال ونحن في فقر وبلادنا تحتاج كلّ طاقاتها للبناء؟؟؟ أليس هذا عجيبا غريبا؟؟ أم إنّ الرئيس يقصد : نحن أعطينا خيرة العقول التي لا تُقدّر بثمن، فلماذا لا تُعطينا تلك الدّول بعضا من المال لنعيش به؟ أليس هذا هو الاستجداء بعينه؟ ألا يخفي هذا القول خطرا أعظم، أنّ تونس صارت كالرّحم المستأجرة بل بدون أجرة تُعطي خيرة عقولها بالمجّان سُخرة للمستعمرين، ويغدو قول الرئيس اعترافا خطيرا بارتهان الإرادة، واعترافا أخطر بأنّ تونس صارت في النّظام العالم مجرّد “مزرعة” تنتج “مشاتل” عقول يأخذ الغرب أحسنها.
وبعد:
أين مصلحة تونس؟ بل هي الخيانة وقد عجزت أن تُخفي نفسها فتنكّرت، وزعمت أنّها وجهة نظر قابلة للحوار والنّقاش.
وعليه، فلا بُدّ من تسمية الأمور بمسمّياتها، فالخيانة خيانة، لا بدّ من كشفها وكشف أصحابها ومن ثمّ الأخذ على أيديهم، وإلّا فهو البوار. وقد حذّرنا الله تعالى من أمثال هذا الوسط السياسي فقال في محكم تنزيله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)
ويتأكّد مرّة أخرى أنّ قضيّتنا هي تحرير بلادنا من تسلّط الأجانب المستعمرين، ومن ثمّ تسييرها بشرع ربّ العالمين حتّى نكون دولة حقيقيّة السيادة لله وحده والسّلطان فيها للمسلمين يختارون من بينهم من يطبّق فيهم أحكام الإسلام العظيم.

CATEGORIES
Share This