قيس سعيد: تغيير النظام السياسي والمناولة لحساب الرأسمالية العالمية

قيس سعيد: تغيير النظام السياسي والمناولة لحساب الرأسمالية العالمية

         من خلال صخب الصراعات السياسية العبثية التي تميز الحياة السياسية في بلادنا منذ انطلاق أحداث الثورة وعلى امتداد المراحل التي مرت بها، والدائرة سواء في أروقة “مجلس نواب الشعب” أو من خلال الأدوار المسرحية التي تؤديها قيادات الصفوف الأولى للأحزاب التي أعطيت صلاحية محاكاة الأداء السياسي الحقيقي، للسياسيين الحقيقيين، الذين تصعدهم شعوبهم وتسلمهم شارة القيادة، وذلك بالتنافس على أدوار تهريجية لا علاقة لها بالرعاية الحقة لشؤون الناس ولا بما يبوء الأمة والبلاد مكانة القيادة والريادة بين الامم والبلدان.

        من خلال كل ذلك الصخب برز  قيس سعيد في محطات مدروسة سواء في أحاديثه التي أجريت معه على مختلف الوسائل الإعلامية منذ بداية ظهوره الإعلامي ومحاولات الدفع  به إلى الواجهة السياسية منذ أيام الثورة الأولى، وبإصراره على ضرورة تغيير النظام السياسي كانت دعوته مجددا لدى تكليفه هشام المشيشي بتكوين حكومة جديدة، إلى ضرورة مراجعة “الشرعية” حتى تكون “تعبيرا صادقا وكاملا عن إرادة الأغلبية”. في إيحاء أن علاج أدواء البلاد وإصلاح فساد الحياة السياسية متوقف على مقترحه بتطبيق الديمقراطية الشعبية والقائمة على الاستفتاءات وغيرها من أدوات التمكين المعبرة، برأيه، عن الإرادة الشّعبية وعن عقيدة التمكين الشّعبية. يأتي تذكيره بمقترحه في أوقات احتدام الجدل حول فشل المنظومة السياسية التي أخضعت لها البلاد وانسداد الآفاق أمام القائمين على الشأن العام والآثار المدمرة لتطبيق تلك السياسات والتي أصبحت لا تخفى على الأبصار ولا تغفلها العقول، ماساهم في تنامي الوعي بضرورة التغيير الجذري وحتميته، وانكشاف الغطاء عن حقيقة تبعيتنا لقوى الهيمنة والاستبداد العالمية، وأن ما نعانيه من ارتكاس بين الأمم، وقلة حيلتنا، يعود لتخلينا عن إرادتنا، من جهة، وخضوعنا للمفاهيم الغربية عن الحياة ورضانا بالعيش حسب تلك المفاهيم، من جهة أخرى، مما ساهم في الانتباه إلى مقومات شخصيتنا المميزة، كوننا مسلمين، نحمل المفاهيم الصحيحة عن الحياة، وأن تلك المفاهيم هي رسالتنا في هذه الحياة الدنيا. فاستشعر الغرب الكافر المستعمر خطرَ المرحلة عليه وأن مفاهيم الدولة الوطنية التي كبّلنا بها لعقود طويلة بدأ زيفها يتجلى، وأن الأمة في عمومها بدأت تتنادى أن استفيقوا. وهذا الغرب يدرك أن  الثورة مهما طالت أحداثها وتقلبت أطوارها هي ظرف استثنائي، فسارع بمحاولة الالتفاف عليها، فألقم عملاءه وأعوانه ممن تشبعوا بفكره وتبنوا نهجه في الحياة، وهما جديدا تحت مسمى الحكم المحلي عن طريق “التمثيل الشعبي” كونهم يصبحون قادرين على المساهمة في إدارة شؤون أنفسهم بأنفسهم، حلا بزعمهم لفشل منظومة التمثيل النسبي، أو فكرة الاقتصاد الاجتماعي التضامني، فاتخذوه ميدان نضال.

       فكان قيس سعيد، وهو الذي شغل منصب الأمين العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري (الوضعي) وخبيرا قانونيا في جامعة الدول العربية، فهو “أمينا” ضمن “الأمناء” على الهدف الذي حددته بريطانيا والغرب عموما لهذه الجامعة، وهي ما هي، والدور المدمر الذي لعبته في الهبوط بالعرب إلى أدنى الدركات. وكان سعيد أيضًا عضوًا في لجنة الخبراء التي دعيت لتقديم تعليقاتها على مشروع الدستور التونسي في عام  2014 والذي يسعى اليوم، هو نفسه، لتدارك نقائصه وتحقيق الهدف الرئيس الذي وضع من أجله وهو تثبيت وجهة النظر الغربية للحياة في بلادنا وتطبيق نظمها علينا بتكريس استعمار الغرب الكافر لأرضنا على كافة الأصعدة السياسية منها والاقتصادية وحتى الثقافية، من خلال استبدال شكل من أشكال النظم السياسية بشكل آخر وعميل بعميل آخر في أفضل الحالات، مما يعني إسقاط تحركات الأمة ووأد حلمها بالتغيير الحقيقي وإعادة إنتاج النظام العلماني الذي يفصل الإسلام عن الحياة من جديد.

فكان قيس سعيد ممن ساهم في صياغة هذا الدستور العلماني ضمن الفِرق التي اختار الغرب أفرادها؛ لضمان إيجاد دستور مفصّل على مقاسه؛ يحفظ مصالحه ويحقق أهدافه ويكرس التبعية له، وهو اليوم يعمل على تدارك نقائصه التي تحول دون تحقيق الغايات المرجوة منه، في مناولة سياسية عن الغرب عدو الله ورسوله وعدونا.

 إلا أن المؤلم في كل ذلك، مكر الغرب الكافر وقدرته على إيهام الكثيرين من أهلنا أن ما يفرضه اليوم علينا من حلول وآراء لما نعانيه من أزمات، وما نتحمل من كرب وضنك، مع فساد هذه الحلول وخطرها علينا، أنها من اجتهادات بعض السياسيين عندنا وأنهم هم أصحاب هذه المشاريع، واستطاع أن يتخفى خلف من رضوا أن يكونوا مطايا يعبر من خلالها إلى عقول أبنائنا ويستبد بمصائرنا، ويحكم قبضته على رقابنا، وسلاحه في ذلك بعض ممن تجري دماؤنا في عروقهم ويحملون أسماءنا وألواننا وينطقون بألسنتنا.

وهنا نتوجه إلى كل السياسيين في بلادنا ألستم من أبناء هذه الأمة المسلمة، ألستم تؤمنون وتدركون أن الله هو الخالق الآمر؟ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ـ الأعراف ـ؟ ألا تدركون أن الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا يحمل لواء محاربة الإسلام والمسلمين، فهل حقا، تنتظرون نتائج إيجابية من حلوله المزعومة؟!!! قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وقال جل وعلا: )الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا( (139) ـ النساء

كيف نعرض عن هدى الله سبحانه وتعالى ونستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ أليس حريا بنا أن نخشى أمر الله؟ قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)ـ فصلت ـ

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This