لا يصيح الثّعلب مبتهجا إلّا ودم الفريسة يسيل مع لعابه

لا يصيح الثّعلب مبتهجا إلّا ودم الفريسة يسيل مع لعابه

الدولة الوطنية القائمة اليوم في بلاد المسلمين ومنها تونس هي صناعةالاستعمارالغربي؛ منظومةً وأجهزة حكم وهياكل وحكاما ووسطا سياسيا، وهي أسلوب من أساليب الاستعمار المبتكرة لإنجاز الغاية الاستعمارية بتكاليف صفرية وصافي أرباح خالص. ذلك أنّ الدّولة الوطنيّة هي عبارة عن جزء من بلاد اقتطع اقتطاعا وُضِع على رأسه عميل محليّ من أهل تلك البلاد بعساكر وأدوات وأجهزة قمع محلية، بدل المقيم العامّ الغربي وجيوشه الغازية المكلّفة، لإنجاز الوظيفة الاستعمارية وتحقيق الغاية دون تكاليف مع تحقيق الأرباح العالية.

وعليه فالدولة الوطنية وظيفتها الأولى والأخيرة خدمة الاستعمار ثم خدمة الاستعمار. هذه هي الحقيقة السياسية التي تُفهم بها كلّ سياسات الدولة الوطنية في بلادنا، فليست لها – كما يزعمون – سياسات مستقلة عن دوائر الاستعمار بل هي مجرّد كيانات تنفيذيّة لسياسات أسياد ما وراء البحار.

وتأسيسا على هذه الحقيقة السياسية وعلى ضوئها تُفهم كل السياسات الوطنيّة وتعرف أسباب حصيلتها الكارثة لما يزيد عن القرن ونصف من الزمن، 75 سنة تحت الإدارة المباشرة للمستعمِر الغربي عبر المقيم العامّ وعساكره وإدارته وأجهزته، والبقيّة تحت إدارته غير المباشرة عبر عملائه ودولته الوطنية وأنظمتها ومؤسساتها وأجهزتها وإداراتها.
ولمّا كانت طبيعة هذه الدولة الوطنية أنّها حصرا لخدمة الاستعمار،فلم تكن يوما ولن تكون لخدمة أهل البلاد، إذ الاستعمار ورعاية شؤون الناس نقيضان لا يلتقيان، والدولة الوطنية مغنم للمستعمِر، مغرم على أهل البلاد.

والأدلّة على هذه الحقيقة أكثر من أن نحصيها، من ذلك مثلاالتّحرّكات الأخيرة للسفير الأمريكي في تونس “جوي هود”، ومنها زيارته يوم الجمعة 15/03/24، إلى وزارة الصّناعة والمناجم والطّاقة، يومها استقبلته الوزيرة بالتّرحاب والتّبجيل، فهل كانت الزّيارة لمصلحة تونس؟

أصدرت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، بلاغا جاء فيه أنّ السّفير الأمريكي جاء ليؤكّد مواصلة دعم بلده لمختلف القطاعات الواعدة التي تشرف عليها الوزارة خاصة مشروع دعم الانتقال الطاقي في القطاع الخاص” Power Tunisia” بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID ” والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة بقيمة 60 مليون دولار أمريكي.

أمّا وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، ووفقا لما جاء في البلاغ، فقد عرضت أمام الأمريكي الإمكانات الهامة المتاحة ببلادنا فيما يتعلق بالموارد البشرية والكفاءات الوطنيّة والتطوّر التكنولوجيّ وتوفّر البنية التحتيّة الصناعيّة والطاقيّة والإطار التشريعي التي من شأنها أن تسمح باستقطاب استثمارات جديدة خصوصا في قطاعي الصناعة والطاقات المتجددة.

وفي قراءة للحدث يرينا وضعين:

وضعا أوّلا هو وضع الفاعل المقتحم، أمريكا تموّل لتستثمر، وينذر كلام السّفير الأمريكي أنّ مؤسسات أمريكيّة كثيرة تعتزم القدوم لتونس للقيام بمشاريع جديدة في مجال دعم الانتقال الطاقي في القطاع الخاص.

ووضعا ثانيا هو وضع التّابع الموظّف، فانظرْ إلى كلام الوزيرة التّونسيّة تجدْه أشبه بكلام النّخّاسين في سوق النّخاسة الذي يعرض بناته للبيع، فالحديث الطّويل العريض عن الكفاءات التّونسيّة والتّطوّر التكنولوجي والبنية التّحتيّة كان من أجل ” إغراء الشّاري” الأمريكي وإقناعه بأنّ “تونس” صالحة للبيع.

قد يُقال إنّ في هذا لمبالغة وظلم للوزيرة ولتونس، فالمصلحة بين تونس وأمريكا مشتركة، فكما لأمريكا مصلحة فإنّ لتونس أيضا مصلحة. فلماذا نعتبر كلام الوزيرة واستقبالها للسفير الأمريكي من قبيل البيع؟

نقول:

أوّلا: التّشارك يقتضي النّدّيّة، فأين الندّيّة بين تونس وأمريكا؟  فأمريكا هي المموّل بما يعني أنّها هي التي تحدد المشاريع ثمّ تحدّد الهدف منها ثمّ ترسم سياسة تحقيقها، فماذا يبقى لتونس غير التّنفيذ وفق إرادة أمريكا، فهل هذه ندّيّة؟ ولا يُقال هنا أنّنا سنستفيد من خبرات أمريكا، لأنّ أمريكا عدوّ وهي ترى المسلمين أعداء لها يجب إضعافهم، ولذلك لن تر في تونس مشروعا واحدا يجعلنا أقوياء، ولن تر إلّا مشاريع تافهة، أقصى ما تُحقّقه لتونس تشغيل بعض اليد العاملة الرخيصة.

ثمّ متى رأيتم أمريكا في بلد تُصلحه؟ ومتى رأيتم أمريكا تتقاسم المصالح؟ أمريكا لا تعرف إلّا النّهب المتوحّش، فانظروا مثلا إلى أفغانستان ودعاوى أمريكا بإعمارها ثمّ ماذا كان الأمر بعد عشرين عاما هناك، لم تخلّف أمريكا وراءها إلّا دمارا وركام بلد، وكذا الأمر في العراق، وانظروا من قبل إلى بلدان أمريكا الجنوبيّة حيث الوصاية الأمريكيّة التّامّة على القارّة بأكملها ماذا ترون هناك؟ هل من ازدهار رغم الثروات الكبيرة والإمكانات البشريّة الهائلة؟

ثانيا: أمريكا هذه عدوّ صريح، محارب بل مجرم حرب وصيّادو شعوب وثروات، هذا هي حقيقة أمريكا التي لا يخجل رؤساؤها من التّصريح بها. ثمّ أمريكا تحاربُنا فعلا ومنذ ثلاثة عقود، حاربتنا وقتلت أطفالنا في العراق ثمّ في أفغانستان ثمّ ها هي في فلسطين تقتل وتحاصر وتجوّع. أليس في ذلك كفاية لنعرف حقيقة أمريكا؟

ثالثا: هذا السّفير الذي يستقبلونه بالتّرحاب والتّبجيل،هو نفسه الذي صرّح لمجلس شيوخهم أنّه قادم إلى تونس للهيمنة الاقتصاديّة؟ ألم يقل إنّه ذاهب إلى تونس من أجل تحقيق التطبيع مع الكيان الصّهيوني من البوّابة الاقتصاديّة؟ وحينها خرجت منظمات تندّد، وظهر الرئيس يُندّد هو الآخر. ثمّ ماذا؟ لم تُغيّر أمريكا سفيرها، بل أرسلته واستقبله الرّئيس مبجّلا ومرحّبا، وها هو نفس السّفير ذي التّصريحات الوقحة المعادية يجول في تونس ويقف في مسرح الجم يصوّر نفسه (سلفي) ثمّ ينشر على صفحة السفارة الأمريكيّة تحت صورة مستفزّة :بعد عامه الأول كسفير للولايات المتحدة في تونس!

السفير جوي هود يشارككم النجاحات والتعاون المثمر بين البلدين من المسرح الأثري العريق بالجم!

صداقة راسخة ما انفكّت تتوطّد…!” هكذا يصيح الثّعلب مبتهجا ودم الفريسة يسيل من بين أنيابه، نعم السّفير العدوّ يفتخر بنجاحاته في تونس، بما يعني أنّه في طريق سالكة من أجل الغاية – الهيمنة التي أعلنها في مجلس الشّيوخ. ورغم كلّ ذلك يستقبله وزير الدّفاع، ثمّ تستقبله وزيرة الصّناعة، فاتحين له البلاد. ليفعل ما يريد.

هذا هو ما نعنيه بالدّولة الوظيفيّة، وما قدّمناه هنا ليس إلّا نموذجا يكشف طبيعة هذه الدّولة الوطنيّة التي هي أداة بيد أعداء الأمّة والبلد، لا تُحسن إلّا خدمة المستعمر ولو كان قاتلا ومجرم حرب، ولا تُحسن من السّياسات إلّا التّمهيد لسادة ما وراء البحار بتوفير اليد العاملة ذات الكفاءة العالية ولكنّها رخيصة الكلفة.

ولاحظوا أنّ هذه الدّولة الوطنيّة يُصاب الدّاعمون لها والمسؤولون فيها بفصام في الشّخصيّة، فهم يرون جرائم أمريكا والغرب التي تقشعرّ منها الجلود فيغضبون أو هكذا يبدون ويندّدون. ثمّ يزول عنهم الغضب فتراهم يستقبلون المسؤولين الأمريكان بالتّرحاب والتّبجيل، بل وأكثر يفتحون لهم البلاد.

أما آن لهذه المهزلة أن تنتهي فصولها. أما آن لهذه الدّويلة الوطنيّة أن تزول؟

CATEGORIES
Share This