ما بعد ساقية سيدي يوسف, مسلمون صامدون, حكام خائنون, ومستعمرون إرهابيون

ما بعد ساقية سيدي يوسف, مسلمون صامدون, حكام خائنون, ومستعمرون إرهابيون

قامت قوات الاحتلال الفرنسي بتونس في 08/02/1958 بعملية إرهابية ضد مدينة ساقية سيدي يوسف التي تقع على مسافة قريبة من الجزائر وقد تم تنفيذ هذه الجريمة الوحشية عن طريق أسطول متكون من 26 طائرة حربية عسكرية وقصف منظم لسوق مزدحم لمدة تفوق الساعة والنصف.

حصيلة العدوان الديمقراطي الفرنسي

أسفرت هذه العملية عن استشهاد 130 مدني وجرح 400 من بينهم 11 امرأة و 20 طفلا وهدم 130 مسكنا و 85 متجرا, إضافة إلى حصول أضرار جسيمة في المقرات الإدارية التونسية كالمعتمدية ومركز الحرس ومكتب الديوانة والبريد وإدارة المناجم وإدارة الغابات وكذلك مدرستان.

إنها نظرية الأرض المحروقة التي يعتمدها الساسة الغربيون منذ زمن الاستعمار المباشر إلى يوم الناس حين يتعلق الأمر بالأمة الإسلامية, وها هي اليمن اليوم والعراق وسوريا تشهد على قيمة الدمار الذي تحدثه آلة القتل العلمانية.

التبرير الاستعماري للضربة الإرهابية

على اثر تزايد عمليات الكفاح المسلح ضد فرنسا وخاصة في منطقة ساقية سيدي يوسف وبروز اللحمة الأخوية بين التونسيين والجزائريين في مدافعة العدو الصائل قرر الاحتلال الفرنسي إنهاء هذه الرابطة الإسلامية بقدر كبير من الحقد الصليبي وبالتالي فان السوق الذي استهدفه بما فيه من مدنيين نساء وأطفالا وحجرا وشجرا هي بالنسبة له أهداف عسكرية مستباحة, إلا أن هذا الأمر لا بد له من غطاء تشريعي, فما كان من فرنسا إلا أن استصدرت قانون “حق الملاحقة” في 10/01/1958 الذي يقضي بجواز ملاحقة المجاهدين الجزائريين على التراب التونسي, وفي هذا الصدد قال الجنرال الدموي جويل في مؤتمر صحفي “لقد عقدنا العزم إذا ما وقع اعتداء علينا من طرف عصابة تحتمي بالأراضي التونسية أن نتعقبها وأن نحطمها لأن الحدود ليست ستارا يختفي وراءها الثوار لكي لا ينزل بهم العقاب”. وفي هذا الإطار أيضا يصرّح جاك شابان ﺩﻟﻤﺎﺱ ﻭﺯﻴﺭ ﺍﻟﺩﻓﺎﻉ ﻭﺍﻟﻘﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ ﻗﺎﺌﻼ: “إن طيارينا لم يقوموا بشيء عدا تطبيق حقهم الرعي في الدفاع ضد المدافع المضادة للطيران”.. ومن هنا نتأكد بأن الغرب يتناقض في نفسه ويأكل ربه كلما تضارب القانون مع مصالحه, فلا يكبر في أعين الساسة الغربيين لا سيادة ترابية ولا حرمة جسدية ولا مقدسات إسلامية. وهذا عين ما نراه داخل أروقة الأمم المتحدة, فأمريكا مثلا دخلت العراق رغما عن الجميع.

الحاكم الحبيب بورقيبة… يا خيبة المسعى

على اثر العملية الإرهابية بساقية سيدي يوسف قام رئيس تونس الحبيب بورقيبة مباشرة بتدويل القضية من خلال تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة بتاريخ 13/02/1958 وهو ما يسمح للدول الغربية بالتحكم في مسار العملية السياسية برمتها وفرض الحلول التي تتماشى مع مصالحه.

جريمة نكراء تضاف إلى رصيد حكام بلاد المسلمين وتبين أن العمل السياسي خارج الإطار العقائدي الإسلامي هو انتحار سياسي يتنكر صاحبه لتضحيات الأمة ويجعلها كرة في مهب الأطماع الاستعمارية فوق ما يجنيه صاحبه من المساءلة في الدنيا وفي الآخرة.

بورقيبة والخبز المسموم

يا للعار.. بعد الثورة استعمار

كما قام بورقيبة بخيانة الدماء الطاهرة مرة أخرى باستدامة الوجود الاستعماري وذلك بعد أن أقدم على إمضاء “اتفاقية ايجلي” في 30/06/1958 مع الاحتلال الفرنسي أي بعد أربعة أشهر فقط من العدوان الغاشم على الساقية ودماء الشهداء مازلت ندية.

وطالب بتعديل حدود تونس الصحراوية في 30 جوان 1958، حيث تسمح الاتفاقية بمد خط أنابيب لنقل البترول من منطقة إيجلي بالجنوب الجزائري إلى فرنسا عبر مرفأ الصخيرة التونسي على خليج قابس.

وتقوم تونس بتأمينه, وكان ذلك سرطانا مدمرا لإحداث الفرقة بين التونسيين والجزائريين, فالاتفاقية هي خط إمداد من مقدرات الجزائر الطبيعية تحت حراسة تونسية وقد سميت تلك الاتفاقية لدى المجاهدين الجزائريين ب”الخبز المسموم” وبالفعل كانت كذلك لأنها تحقيق لإشباع البطن مع ذلة ليست من شيم المسلمين.

وقد كان المستفيد الأوحد هو الاقتصاد الفرنسي وطائراته العسكرية التي تجد المادة الخام لتقصف من جديد ألف ساقية أخرى.

المسلمون صامدون… عقيدة سياسية كفاحية

إن حادثة ساقية سيدي يوسف تكشف أن الوحدة العقائدية والرابطة الأخوية بين المسلمين هي التي تدفعهم لطرد المستعمر واقتلاع جذوره من بلادهم وما الثورات التي قامت في بلادنا إلا دليل حي على أن الأمة حية لا تموت وأن جميع المخططات الماكرة يفشلها وعي الأمة وأن لا خلاص من خيانة الحكام والوصاية الاستعمارية إلا بالإسلام.

محمد السحباني

CATEGORIES
TAGS
Share This