نعم، “الدولة المدنية دولة كفر لا علاقة لها بالقرآن” السبسي يتنصل من الإسلام وأحكامه

نعم، “الدولة المدنية دولة كفر لا علاقة لها بالقرآن” السبسي يتنصل من الإسلام وأحكامه

عيد المرأة في تونس، هو ذكرى إصدار مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 المحاربة لله ورسوله، وقد شكّل “العيد” هذا العام فرصة جديدة للباجي قايد السبسي كي ينفخ في رماد الموروث البورقيبي، في يوم تم فيه تخصيص شارع الحبيب بورقيبة لآداء طقوس الولاء والتقرب إلى “الزعيم الراحل” وولي النعمة السابق من قبل من أقنعوا “مادتهم الشخمة” بأن سي “الحبيب” هو من نزع عن رؤوسهم “القمل” فسكتوا عن جريمة نزعه خمار المرأة على مرأى من العالم أجمع.

فاحت رائحة “البخور” منذ الصباح تبرّكا بعبادة الصنم البورقيبي في شارع لم تسعفه الثورة في الانتساب لغير المقبور بورقيبة، والجمع على أحر من الجمر ينتظرون خروج سيادة الرئيس ليدلي بموقفه من تقرير بشرى، ويا لها من بشرى تسر المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة…

ولم ينتصف النهار، حتى صعد خليفة بورقيبة منبره في قرطاج مصدقا الوهم، ومقنعا نفسه بأنه أقدر على الزعامة ممن سبقوه، حيث اعتبر أن التنصيص القانوني على المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث قرارا متأخرا، إذ كان الأحرى في رأيه أن يتم ذلك عند إقرار مجلة الأحوال الشخصية في 1956، ولكنه نسب “فشل” القيادة السياسية في فرض قاضنون المساواة آنذاك إلى عدم وجود دستور، ولذلك اقترح فرض هذا القانون على أن يجعل الاحتكام لشرع الله في مسألة الإرث منّة ديمقراطية يسمح بها دستور “الثورة”، لينتصر لنفسه مرتين فضلا عن توصله إلى هذا الاقتراح، الأولى حين تحدث عن رئاسته لحكومة أوصلت البلاد إلى انتخابات تشريعية مكنت لاحقا من صياغة الدستور، والثانية عند الحديث عن تفعيله للدستور أثناء رئاسته للدولة بإقرار أعمال هذه اللجنة وإتمام ما بدأه بورقيبة في حربه على أحكام الإسلام القطعية، وبذلك يظهر جليا أن الاختلافات الشكلية في العناوين من مجلة أحوال شخصية إلى تقرير حريات فردية ليست سوى أدوات لنفس المعركة الحضارية التي يخوضها الغرب الصليبي منذ قرن من الزمن عبر وكلائه في بلاد الإسلام ومنها تونس، وبنفس المضامين.

أوضح ما جاء في خطاب الرئيس، هو تنصيصه وتأكيده على “مدنية الدولة” استنادا إلى دستور 2014، ومضمون الدولة المدنية التي أرسى عمودها الفقري بورقيبة وكساها بن علي لحم الديمقراطية وأغرقها في العمالة إلى حد النخاع، ليس سوى علمانية تفصل الدين عن الدولة، وهو ما جعلها عارية بائن قبحها وعورها، بل ما جعل الناس تثور ضدها وضد منتجاتها، الأمر الذي اضطر الغرب إلى إلباسها ثوب الإسلام المعتدل ليكون دعاة هذا الدين الجديد آخر ورقة توت يمكن أن يستعملها الاستعمار للحفاظ على مكتسبات “الدولة المدنية” التي شرع في بنائها عبر عملائه السابقين، ولكن هذه المرة باسم الإسلام.

ورغم تنصل السبسي من الإسلام وأحكامه أثناء تأكيده على مدنية الدولة وعلوية الدستور نافيا نفيا تاما علاقته بالدين والقرآن وآياته، إلا أنه يمكنك أن تجد زمن انقلاب المفاهيم من يجادلك بدولة مدنية بمرجعية إسلامية، الأمر الذي تفنده أقوال وممارسات كل العلمانيين، ليس آخرهم السبسي نفسه خلال خطابه الأخير، حيث اعتبر أنه لا يمكن الحديث عن مرجعية دينية عند الحديث عن دولة مدنية، الأمر الذي يعكس وجود صدام حقيقي بين الدولة المدنية والمرجعية الدينية، ويبرز الدولة المدنية على أنها نقيض وضديد لكل ما يمت للدين بصلة، ولذلك وجب على كل عاقل الوقوف عند مدلول “الدولة المدنية” حتى لا يخدع من هذا أو ذاك، باسم التحالف أو التعايش أو التوافق…

مصدر فكرة مدنية الدولة

 ظهرت فكرة “الحكومة المدنية” في أوروبا مع فلاسفة الأنوار، حيث تناولها بالبحث أساسا الفيلسوف الإنجليزي “جون لوك” (1632-1704م) في كتابين: الكتاب الأول جاء تحت عنوان: “بحث حول الحكومة المدنية” الصادر سنة 1680م والكتاب الثاني هو بحث تناول فيه “أصل توسع السلطة السياسية وغايتها” (1690م) وبحث حول “الفرق بين السلطة السياسية والسلطة الدينية” (1674م) ورسالتان حول التسامح (1667م)، ثم تدعمت الفكرة مع الكتاب الفرنسيين كجون جاك روسو في كتابه “العقد الإجتماعي”. (1762م)

كان كتاب عصر الأنوار آنذاك، يحاولون الخروج من واقع الثيوقراطيات التي حكمت أوروبا طيلة القرون الوسطى في جو من التسلط ونفي العقل بادعاء الحكام أنهم مبعوثو العناية الإلهية وأنهم يمتلكون صكوك الغفران وما تبع ذلك من حروب دينية طويلة ومحاربة للعلم الطبيعي الذي ظهر على يد العلماء الفيزيائيين ومطاردة المنتجات الفكرية.

في هذه الأجواء، ابتدعت الفلسفة السياسية الغربية فكرة تأسيس مجتمع مدني يناقض المجتمع الكنسي السائد، وأصبح الإيمان بضرورة فصل الدين عن الحياة ومنه عن الدولة ضرورة ملحة، بل عقيدة راسخة لدى هؤلاء وإن تباينت آراؤهم في بعض الفروع والجزئيات، حيث افترض فلاسفة العقد الاجتماعي وجود حالة طبيعية عاشها الإنسان، واختلفوا في طبيعتها.

فبالنسبة لهوبس، يعتبر أن حالة الطبيعة هي حالة الخطر الداهم على الإنسان وهي حالة “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، أما الفيلسوف الإنجليزي “جون لوك” فيعتبرها حالة الحرية المطلقة والمساواة المطلقة بين البشر وغياب السلطة القاهرة التي تعلو الأفراد، وهي الحالة التي تطبق فيها العدالة الخاصة. غير أن نوازع الإنسان الغريزية في حب السيطرة والتسلط قد أدت في نظره إلى حالة من الفوضى. وهي رؤية تقترب من أطروحة الفيلسوف الفرنسي “جون جاك روسو” الذي يعتبر أن حالة الطبيعة هي حالة الفطرة الخيرة في الإنسان، غير أن غرائز الإنسان تدفعه نحو السيطرة فتشوه هذه الطبيعة الخيّرة وتنزلق به إلى حيث الحرب والدمار والفناء.

وتأسيسا على هذا الإفتراض الأول، اقترحوا تأسيس مجتمع مدني يقوم على فكرة الخروج من حالة الطبيعة والتوحش إلى حالة المجتمع، عبر التخلي عن جانب من الحرية والإرادة الخاصة لفائدة افتراض جديد هو فكرة الحكومة أو السلطة السياسية أو الإرادة العامة، وهكذا خلصوا نظريا إلى فكرة مفادها أن تأسيس هذا المجتمع هو الكفيل عبر أجهزته السياسية باستتباب الأمن على الأرواح وحماية الملكية الخاصة وديمومة السلم بين الناس بقطع النظر عن جنسهم ودينهم ومذهبهم، فتأسست بذلك مشروعية جديدة للسلطة في أوروبا. وبذلك أصبحت سلطة تعاقدية إرادية نابعة من توافق الإرادات الخاصة للتخلي عن جزء من حرياتها المطلقة لفائدة ذات معنوية جديدة تسمو على هذه الإرادات الخاصة تسمى الدولة أو الإرادة العامة، وعليه، لم يعد هناك مشروعية دينية أو فردية للسلطة.

هذه الدولة التي تجسد إرادة الشعب في نظرهم، هي دولة ذات طبيعة مدنية (Etat Civil) وقد وضع هذا المصطلح في مقابل الدولة الدينية أو “الإكليريكية” (Etat Ecclésiatique) أي تفصل الدولة عن الدين كليا، وقد اتفقت كل الكتابات الفكرية على أن الخلط بين الدين والدولة هو رأس كل شر وأساس كل الحروب التي اشتعلت في القارة الأوروبية، لذلك رأوا من الأسلم الفصل بين المجالين فصلا نهائيا.  ولذلك أطلقت العلمانية على عملية نزع الصفة أو السيطرة الإكليريكية عن الدولةSécularisation .

أما عمليا، فكان إنشاء المؤسسات المدنية والبلديات أمرا ضروريا لبناء الدولة المدنية، حيث يتم إثبات الحالة المدنية للمواطن وانتماؤه للدولة المدنية العلمانية التي تقوم على القانون المدني الوضعي وبذلك يسحب البساط من تحت أقدام الكنائس.

هل للدولة المدنية علاقة بالإسلام؟

لم يحصل في تاريخ الإسلام أن بحث المسلمون مصطلح “الدولة المدنية” إلا بعد الغزو الفكري والثقافي الذي قام به الغرب أثناء فترة الاستعمار، حيث لم ترد في فقه أو سيرة ولم تنعت الدولة بالمدنية في لغات العرب، ولم يستعمل كمصطلح سياسي طيلة هذه القرون، فللمسلمين ما يغنيهم عن كل القوانين والدساتير الغربية، ويكفي أن يعود أحدهم للأحكام السلطانية للماوردي مثلا، ليجد في بابه الأول “في عقد الإمامة” أن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم، ولو كان للدولة المدنية علاقة بالإسلام لما غفل عن ذلك فقهاء المذاهب الأربعة الذين أجمعوا على وجوب الخلافة، ولذلك فمن الغباء والجهل بمكان أن يصف أحدهم دولة الإسلام بالمدنية لمجرد قيامها في المدينة، فهل كان أصحاب هذا الرأي ليرفضوا “الدولة المدنية” لو قامت دولة الإسلام في مكة مثلا؟

أما اكتشاف بعض فلاسفة الغرب حاجتهم إلى “مجتمع” يعكس رغبة الإنسان في الاجتماع وسيره الطبيعي نحو ذلك باعتبار أنه كائن اجتماعي بطبعه وفطرته، فذلك ليس بالأمر الجديد فيما يتعلق بتوصيف واقع الإنسان وجنوحه الطبيعي نحو الاجتماع لجلب المصالح ودرء المفاسد بحسب مفهومه عن المصلحة أو المفسدة، والأصل أن يفضي هذا التوصيف إلى بحث الشرعة والمنهاج الذي يجب أن يحدد للإنسان المفاهيم الصحيحة عن المصالح والمفاسد، أي النظام الصحيح الذي يعالج مشاكل الإنسان بوصفه إنسانا وتدار النزاعات بحسب أحكامه، وكان الأجدر أن يبحث الفلاسفة حاجة الإنسان للرسل، لا أن يفصل الدين عن الدولة كردة فعل على رجال الكنيسة ثم يقاس الأمر على الدين كله، وفي النهاية يسمى هذا المجتمع المتمرد على الأديان والرافض لأن يتخذ الدين وحده أساسا للتشريع وسن القوانين بالمجتمع المدني وتسمى دولته بالدولة المدنية.

فمما جاء للإمام فخرالدين الرازي في تفسير قوله سبحانه في سورة البقرة “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” ما نصّه: ولولا دفع الله بعض الناس عن الهرج والمرج وإثارة الفتن في الدنيا بسبب البعض، واعلم أن الدافعين على هذا التقدير هم الأنبياء عليهم السلام، ثم الأئمة والملوك الذابون عن شرائعهم، وتقريره : أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يعيش وحده، لأنه ما لم يخبز هذا لذاك ولا يطحن ذاك لهذا، ولا يبني هذا لذاك، ولا ينسج ذاك لهذا، لا تتم مصلحة الإنسان الواحد، ولا تتم إلا عند اجتماع جمع في موضع واحد، فلهذا قيل : الإنسان مدني بالطبع، ثم إن الاجتماع بسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أولاً، والمقاتلة ثانياً، فلا بد في الحكمة الإلهية من وضع شريعة بين الخلق، لتكون الشريعة قاطعة للخصومات والمنازعات، فالأنبياء عليهم السلام الذين أوتوا من عند الله بهذه الشرائع هم الذين دفع الله بسببهم وبسبب شريعتهم الآفات عن الخلق فإن الخلق ما داموا يبقون متمسكين بالشرائع لا يقع بينهم خصام ولا نزاع، فالملوك والأئمة متى كانوا يتمسكون بهذه الشرائع كانت الفتن زائلة، والمصالح حاصلة فظهر أن الله تعالى يدفع عن المؤمنين أنواع شرور الدنيا بسبب بعثة الأنبياء عليهم السلام واعلم أنه كما لا بد في قطع الخصومات والمنازعات من الشريعة فكذا لا بد في تنفيذ الشريعة من الملك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الإسلام والسلطان أخوان توأمان » وقال أيضاً : « الإسلام أمير، والسلطان حارس، فما لا أمير له فهو منهزم، وما لا حارس له فهو ضائع«. المصدر: مفاتيح الغيب، الجزء الثالث، ص423.

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: الإنسان مدني بالطَّبع، لا بُد له أن يعيشَ مع الناس، والناسُ لهم إرادات وتصورات. المصدر: زاد المعاد، الجزء الثالث، ص11.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الرد على البكري): للناس في مصالح دنياهم متعاونون عليها إذ كان الإنسان مدنيا بالطبع لا تتم مصلحته إلا ببني جنسه يعاونونه على جلب المنفعة ودفع المضرة والمعاوضة بينهم هي التي تبعث على المعاونة أو كل منهم لا يفعل إلا ما يجلب إلى نفسه به منفعة أو يدفع به مضرة. المصدر: الاستغاثة في الرد على البكري، الجزء الأول، ص189.

ولذلك ورد في مقدمة ابن خلدون (ص41) قوله: “الاجتماع الإنساني ضروري ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران”.

هكذا فهم المسلمون معنى المدنية، أما اليوم فقد جعل لها الحكام مادة تدرس في المعاهد تسمى بالتربية المدنية، وتعلم أبناء المسلمين أحكام منظومة الكفر التي جاءت بها الدولة المدنية العلمانية، ففي اللغات الغربية، تستخدم عبارة “الدولة العلمانية” بشكل صريح ويروج لها، لأن عبارة العلمانية تترك انطباعاً إيجابياً في وجدان الإنسان الغربي الذي ضجّ من ظلم الكنيسة المسيحية وحكمها باسم الدين في العصور الوسطى، فاعتنق العلمانية عقيدة له، أما المسلم فإن عبارة “الدولة العلمانية” تترك انطباعًا سلبياً في وجدانه، فهو يدرك أنها تخالف إسلامه العظيم، الذي أنهضه من الانحطاط وبه ساد العالم، لذلك ابتُدِعت عبارة “الدولة المدنية” في العربية كمرادف مزخرف للدولة العلمانية كي تُسَوَّق هذه الدولة للمسلمين ويقبلوا بها، كما جاءوا من قبل بلفظ “القانون المدني” مرادفاً مزخرفاً للقانون الوضعي غير المأخوذ من الإسلام ليسوقوا أحكام الكفر بين المسلمين.

وأيضاً فإن لفظ “المدنية” له انطباع إيجابي عند الناس، فهو يوحي بالتحضر والتقدم والرخاء، إذ إن نقيض “المدنية” هو “البدوية” أو حتى “الهمجية” في وجدان الناس، فما دمت لا تريد أن تكون “بدوياً” ولا “همجياً” فعليك إذاً أن تكون… “مدنياً”! هكذا يُسَوَّق الكفر إلى الناس بأسلوب مخادع لئيم! وصدق فيهم قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}.

الدولة في الإسلام، هي دولة خلافة

أما دولة الخلافة – الدولة الإسلامية، فليست دولة دينية بهذا المعنى الكهنوتي الأوروبي أبداً، ولا تشابه مطلقا بينهما:

  • فدولة الخلافة، دولة الإسلام، ليست دولة إلهية ولا مقدسة.

  • وهي تستمد سلطانها من الأمة، فهي التي تنيب عنها من يحكمها وتنتخبه انتخاباً.

  • والسيادة فيها للشرع وليست للشعب.

  • وخليفة المسلمين ينفذ الشرع الذي بويع على الحكم به، ويستمد سلطانه من بيعة الناس له وليس من حق إلهي.

  • وهو ليس حاكما مقدسا ولا معصوماً بحال من الأحوال، بل هو يخطئ ويصيب، وعلى الأمة أن تُقَوِّمَه وتوجهه، ولكل مسلم محاسبة الخليفة فيما يقوم به من أعمال، بل لغير المسلمين من رعايا الدولة إظهار الشكوى منه إن هو قصر في رعايتهم.

  • كما أن الإسلام ليس فيه رجال دين، يحللون ويحرمون كيفما شاؤوا، أو يكونون وسطاء بين الناس وبين الله، بل إن دولة الخلافة – الدولة الإسلامية، تمنع كل ما يشعر بوجودهم، وإنما في الإسلام علماء مجتهدون، يستنبطون الأحكام من مصادرها الشرعية، ولا يحللون ويحرمون كما يشاؤون، وهم دائما مطالبون بالدليل الشرعي على أقوالهم. كما أنه لا يوجد شيء في الإسلام اسمه سلطة روحية كهنوتية يقابلها سلطة دنيوية زمنية.

وبرغم ذلك الفارق الكبير بين دولة الخلافة – الدولة الإسلامية، والدولة المدنية العلمانية، لا زلنا نسمع بعض الناس يتساءل هل الدولة في الإسلام مدنية أم دينية؟

 إن الذي يسأل هذا السؤال كمن يسأل هل الدولة في الإسلام اشتراكية أم رأسمالية؟ ولذلك نقول أن الدولة في الإسلام لا هذه ولا تلك. ربما تكون مطالبة العلمانيين بالدولة المدنية أمرا مقبولا نوعا ما، فهو أمر منسجم مع قناعاتهم، وهم مدركون تماما أن الدولة المدنية تلك هي الدولة العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، ولذلك ليس غريبا أن ينفي السبسي علاقة الدولة المدنية بالقرآن وبالإسلام كمرجعية، فهو صادق في قوله رغم مرجعيته العلمانية، أما من يقول دولة مدنية بمرجعية إسلامية فهو يلبس على الناس دينهم، وهو كاذب وإن كانت مرجعيته إسلامية، فالنقيضان لا يجتمعان، وإن زعم بعضهم أن الظلامية التي جاء بها فلاسفة التنوير مصدرها الإسلام، أو القرآن. وفي نهاية الأمر، فقد كشف توافق الشيخان في تونس أن كلى الطرفين لا يهمه الإسلام ولا أهله من أبناء هذا الشعب، بل يهمه فقط أن يسوق نفسه للغرب ليؤكد له أنه الأقدر على قيادة المرحلة القادمة.

قال تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)“. سورة فاطر.

وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This