هل هناك ما يشفع لهذه الدولة كي تستمر؟؟؟

هل هناك ما يشفع لهذه الدولة كي تستمر؟؟؟

جميعهم دون استثناء, سواء كانوا في سدة الحكم أو على ربوة ما يسمى بالمعارضة, يحرصون على ديمومة هذه الدولة. حتى إن أستبد بها الفشل وأخذ منها العجز كل مأخذ, فهم لا يتوانون للحظة واحدة في الدفاع عنها بضراوة حتى أنك تخال أنهم يدافعون على دولة ترعى شؤون الناس على أكمل وجه وتوفر لهم مستلزمات العيش الكريم المؤطر بالرفاهية والازدهار والأمن, وأنها حريصة كل الحرص على توظيف ثروات البلاد بعد أن حمتها ومنعت عنها المغتصبين والناهبين لتسيير حياتهم بالطريقة المثلى ووزعتها عليهم بالعدل ولم تظلمهم فتيلا، ووفرت لهم كل ما يحتاجون له من أساسيات كالصحة والتعليم والمسكن اللائق والنقل المريح من حيث الكم والكيف, وأمنت غذائهم كليا بعد أن رفعت من مقدرتهم الشرائية إلى أعلى الدرجات، وأنها من الدول التي تحسب لها القوى الكبرى في العالم ألف حساب ولا تقدم على أمر إلا بعد مشورتها. هذا ما يتبادر للذهن حين نراهم يشددون على و جوب استمرار هذه الدولة وآخرهم الوافد الجديد على قصر قرطاج ” قيس سعيّد” الذي أكد في خطابه أمام مجلس نواب الشعب على أنه سيبذل كل جهده كي تستمر الدولة ولن يتردد في تطبيق القانون على كل من يسعى إلى تقويضها وزعزعة أركانها.

الواقع عكس ذلك تماما, فهذه الدولة منذ أن وضع “بورقيبة” حجر أساسها وكانت تسمى ب “دولة الاستقلال” ثم لقبوها ب”الدولة الوطنية” وبعده استقر الأمر على تسميتها ب “دولة الحداثة” لم ترتق إلى الحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه الدولة. وهنا سوف لن نحملها أكثر مما تحتمل وسنكتفي باستعراض أدائها طيلة ستة عقود في ما يتعلق بمسائل هي أبسط ما تقوم به أية دولة مهما كان حجمها, وسنبدأ بما تعيش على وقعه البلاد هذه الأيام وبات يشغل القاصي والداني، واستحوذ على اهتمام الناس من شمال البلاد إلى جنوبها، وهو موضوع البنية التحتية التي تظهر سوأتها مع هطول الأمطار ولا يهم حجمها كبر أم صغر فالأمر سيّان, يكفي أن ينزل الغيث بأية كمية كان حتى تتحول البلاد إلى بركة كبيرة تسع الجميع وتنهار الطرقات وتغرق مدن بأكملها في الأوحال قبل المياه.. هذا المشهد يتكرر لعقود طويلة والشيء الوحيد الذي تغير هو أسماء الأشخاص الساهرين على تسيير شؤون الدولة. وكما هو الحال منذ فترة حكم “بورقيبة” إلى اليوم, كلما فضحت الأمطار ضعف أداء الدولة وكشفت إهمالها لأبسط واجباتها, يخرج علينا أي مسؤول ليلقي باللائمة على الناس ويقسم بأغلظ الأيمان بأن الدولة بريئة مما حصل كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. فهل دولة بهذا الشكل يجب أن تستمر؟

المسألة الثانية هي أيضا من البساطة بمكان ولا تتطلب أن تكون الدولة  ذات إمكانيات خرافية حتى تقوم بما يجب القيام به, إنها مسألة وفرة الإنتاج وكيفية التعامل معه، وفي هذا المجال أثبتت الدولة ومشرفوها أنها لا ترتقي إلى مستوى إدارة حظيرة فما بالك بدولة؟

لقد منّ الله علينا بمحصول قياسي من الحبوب لكن الدولة أبت إلا أن تصدم الجميع بعدم قدرتها على تخزين تلك الكميات القياسية وتركت معظمها ملقاة على قارعة الطريقة عرضة للإتلاف, وكالعادة وجدت الدولة ما يكفي من الوقاحة لتتنصل من مسؤوليتها, حيث قال وزير الفلاحة “سمير بالطيب” الدولة مطالبة بتخزين 13 مليون قنطار وهذا ما سنقوم به..” وما حصل مع محصول القمح, كل المؤشرات تدل وتؤكد أنه سيتكرر مع محصول الزيتون والتمور فالمحصول استثنائي والدولة لم تقدم ما من شأنه أن يطمئن الفلاحين وسنشهد قريبا التمر والزيتون يندبان حظهما على قارعة الطريق. فهل دولة بهذا الشكل يجب أن تستمر؟

التعليم الذي يعتبره مدّعوا الحداثة أكثر النقاط إضاءة في دولتهم ينقطع عنه كل سنة أكثر من 100 ألف تلميذ لأسباب عدة من أهمها بعد الشقة عن التلاميذ في المناطق الريفية وقلة ذات اليد وتردي البنية التحتية للمؤسسات التربوية وانعدام الأمن وكثرة الأمراض بسبب عدم توفر الماء الصالح للشراب في المدارس والقائمة تطول.. فهل دولة بهذا الشكل تستحق أن تستمر؟ وما الصحّة أفضل حال من التعليم فهي تقاسمه البؤس نفسه والتعاسة ذاتها. وعلى هذا قس باقي المجالات. وهنا لا يمكن الحديث عن التصنيع والقدرة على الإبداع والابتكار لأن ذلك يُعدّ من المحرمات في سياسة هذه الدولة.

إذن فلماذا الدفاع عن هكذا دولة ولماذا الحرص على أن تستمر مادامت متخلية كليا عن أبسط واجباتها؟ الجواب واضح ولا يستحق أدنى عناء. فهم يدافعون عنها لأنها الكنانة التي تحمي النظام الديمقراطي الوضعي والدرع الواقي له, كما هو الحال في سائر بلاد المسلمين, فأذيال المستعمر يصلون ليلهم بنهارهم لكي لا يندثر هذا النظام ويقوم على أنقاضه نظام الإسلام العظيم.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This