هل يمكن لتونس أن تكون نواة لدولة مؤثرة في المسرح الدولي

هل يمكن لتونس أن تكون نواة لدولة مؤثرة في المسرح الدولي

لعب الشعب التونسي دورا رياديا في إشعال ثورات الأمة ضد الحكام، وكلاء الاستعمار، تلك الثورات التي أربكت الدول الكبرى وجعلتها تصل ليلها بنهارها لوأدها والحيلولة دون وصولها إلى مبتغاها.

ولئن نجحت الدول الغربية في إعادة صياغة الأنظمة القديمة بوجوه جديدة، إلا أن الصراع يبقى قائما والحراك ملتهبا، ينتظر نموذجا ناجحا في المنطقة حتى يتأسى به.

ضرب القيم الذاتية للشعب التونسي المسلم

وقد عمدت القوى المضادة لتحرر الأمة، على ضرب القيم الذاتية للشعب التونسي المسلم، بحملات إعلامية مركزة، تصفه بأنكى الصفاة، حتى لا يتطلع إلى إقامة نموذج حضاري تحرري يجرف المنطقة نحو التحرر الشامل، خاصة وأن الشعب التونسي المسلم كان له السبق في الخروج على الحكام الطواغيت والمطالبة باسترداد الثروات واستعادة القرار والاستقلال الكامل.

وقد استطاع الاعلام المـأجور والطبقة السياسية المتآمرة، الترويج لفكرة أن تونس بلد صغير، ذا موارد محدودة، وتحيط بها دول قوية، وبالتالي ليس له أن يتطلع للقيام بدور ريادي في الأمة، بل عليه أن يتبع سياسة الموادعة والمسايرة والخضوع للدول الكبرى، وهي سياسة لا تنتج إلا دولا خاضعة، خانعة، جبانة، كما أنها سياسة ذات نتائج مدمرة، لأنها تقر بضرورة بقاء بلادنا في طابور الدول الخاضعة للدول الكبرى، وتجعل التغيير مرهون بموافقة الغرب الذي لم يخفي يوما عداءه لديننا وحضارتنا وأمتنا، ويعمل ليل نهار للحيلولة دون تحررنا من سطوته ونظامه الدولي.

والسؤال المركزي الذي يفرض نفسه في ظل هذه المعادلة الصعبة: هل يمكن لتونس أن تكون نواة لدولة مستقلة القرار ومؤثرة في المسرح الدولي ؟

المؤهلات الجيوسياسية والتاريخية

نظرا لموقعها الإستراتيجي والمُطل على حوضي المتوسط، لعبت تونس دورا مؤثرا دوليا منذ حقبة ما قبل التاريخ، فلطالما اتبعت تونس سياسة التهديد الفعال للدول الكبرى، فقد نشأت في تونس حضارة قديمة في القرن التاسع قبل الميلاد تمثلت في مدينة قرطاج، التي بسطت سيطرتها على سردينيا ومالطة وجزر البليار في القرن الخامس قبل الميلاد حتى تمكنت من السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، ثم نشبت سلسلة من الحروب (سنة 264 ق.م) اشتهرت باسم الحروب البونية ولعل أشهرها حملة حنبعل (الحرب البونيقية الثانية) الذي قام بعبور سلستي البيريني والألب بفيلته  (218-202 ق.م) للقضاء على روما،  ثم نشبت الحرب البونية الثالثة (149-146 ق.م) التي انتهت بالقضاء على قرطاج واحتلالها لتصبح مركزًا مهمًا للإدارة الرومانية.

وبعد تحرر تونس على يد القائد الإسلامي حسان ابن النعمان عام 79هـ، 698م، تم فيها تأسيس مدينة القيروان، التي أصبحت فيما بعد القاعدة الأمامية للفتوحات الاسلامية في إفريقية والأندلس.

فكون تونس كانت في يوم من الأيام من الدول الكبرى، وتؤثر في السياسة الدولية، وفوق ذلك منذ صيرورتها نواة أساسية للفتوحات الإسلامية في إفريقيا والأندلس، كل هذا يؤهلها لان تصبح نواة لدولة مؤثرة دوليا، اذا استعادت ثقتها بنفسها ووجدت عندها ارادة التغيير وفق مشروع حضاري تحرري من الهيمنة الاجنبية وتحت قيادة تغييرية مخلصة وواعية.

المبدأ هو العنصر الأساسي لجعل الدولة مؤثرة

ولكن هل تملك تونس من عناصر القوة ما يؤهلها للعب هذا الدور الثوري التحرري من قيود الدول الكبرى وهيمنتها ؟

بادِئَ ذِي بَدْءٍ، ليست الدولة الكبرى هي التي يكثر عدد سكانها، أو تكون غنية، أو ما شاكل ذلك، بل إن الدولة الكبرى المعنية هي الدولة التي لها وجود يؤثر في السياسة الدولية وفي الدول الأخرى. فالصين بالرغم من أنها قوة بشرية واقتصادية هائلة، إلا أنها لم ترتقي يوما لان تكون من الدول الكبرى المؤثرة في السياسة الدولية، والتي تقوم بأعمال مؤثرة في غيرها من الدول، لأنه ليس لها تطلعات خارجية، ما جعلها تنكفئ سياسيا فى محيطها الإقليمي.

كما أن قوة الدولة لا تنحصر في القوة العسكرية، بل تتعداها إلى مكونات أخرى من أهميتها المبدأ والقيم الرفيعة.

فالمبدأ أو الايدلوجية، هو الذي ينحت شخصية الأمة ويحدد رسالتها إلى الأمم الأخرى، بما يحوي من مشروع حضاري شامل يتناول جميع مناحي الحياة، ويحدد مصالح الأمة وتطلعاتها العالمية، فالمبدأ يوجد حافز قوي عند الأمة التي تعتنقه، ويهيئها للقيام بالمهام العظام، وكلما كان إيمان الأمة بالمبدأ قويا، كلما زاد استعدادها للتضحية بالنفس والنفيس من أجل تحقيق غايته.

فالإسلام مبدأ عالمي، لذلك كانت الدولة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم ذات تطلعات عالمية بالرغم من صغر حجمها، فوحد الجزيرة ومهد الطريق لأصحابه لإسقاط أعظم إمبراطوريتين في ذلك الزمان، بالرغم من أن ميزان القوى المادية كان لصالح الفرس والروم، ولكن قوة الإيمان بمبدأ الاسلام باعتباره مشروعا حضاريا منقذا للبشرية جعل من قوة المسلمين قوة هائلة حطمت كل الحدود وتجاوزت كل العقبات لتصبح دولة الخلفاء: الدولة الاولى في العالم.

تونس نواة لدولة كبرى، مؤثرة في الحلبة الدولية

من كل ما تقدم يتبين أن تونس باعتبارها جزءا مهما من الأمة الإسلامية عندها كل عناصر القوة التي تجعل منها نواة لدولة كبرى، عزيزة، منيعة، قادرة على الاضطلاع بالمهام العظام، فهي تحمل المبدأ العالمي الصحيح، الصادر عن الوحي، وأهل تونس يؤمنون به وبرسالته ولا ينقصهم إلا أن يضعوه موضع التطبيق والتنفيذ في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، دولة ناجحة في حل مشاكلها ومشاكل مجتمعها، تحقق العدل والانصاف في الحقوق ومنح الفرص حتى تتأثر الشعوب والدول الأخرى بها، دولة تتجاوز الحدود القطرية ولا تؤمن بحدود سايكس بيكو التي قسمت المسلمين وجعلتهم دولا ضعيفة، خاضعة، خانعة.

 كما أن الامتداد البشري والجغرافي الذي يحضى به موقعها يجعل منها دولة قادرة على التوسع شرقا وغربا في محيطها الحضاري وعمقها الاستراتيجي، فجغرافيا تونس تتجاوز حدود ما يسمى بدولة الاستقلال التي لا يتجاوز عمرها 60 سنة، تتجاوزها الى المغرب غربا ومصر شرقا، فالقاسم الحضاري المشترك بين أبناء الامة الواحدة يسهل عملية تحطيم حدود سايكس بيكو، لايجاد قوة اقليمية قادرة على الصمود أمام الضغوط الدولية والوحش الدولي، وهو ما يمكن الدولة الناشئة من البقاء والصمود إلى أن تتمكن لاحقا من توحيد باقي أقاليم المسلمين في دولة واحدة مرهوبة الجانب.

كما أن الثروات الهائلة التي يملكها المسلمون مع إمكانية تحصيل المعرفة التكنولوجية التي لا تحتاج إلا لقرار سياسي يفجر الطاقات ويوفر الامكانات، كل هذا سيجعل من الامة الاسلامية متمثلة بدولتها، دولة الخلافة، قوة اقتصادية هائلة في بضع سنين، كما أن العدد البشري للمسلمين الذي يفوق المليار ونصف المليار معظمهم من الشباب، يعدون طاقة بشرية كبيرة يمكن توظيفها في الانتاج الصناعي والزراعي وفي حماية البلاد من أي غزو خارجي.

أما القوة العسكرية فإن القوة العسكرية الحالية تكفي على الاقل للدفاع عن بلادنا، فعدد جيش المسلمين الذين يأخذون مخصصاتهم الشهرية بلغ 6 مليون تحت السلاح، أما جيش الاحتياط فيبلغ أكثر من أربع مليون، ليكون المجموع 10 ملايين وهو أكبر جيش في العالم، هذا بالإضافة لعشرات الملايين من الشباب الذين يمكن تجنيدهم في أي لحظة، فالدولة عندها امكانيات الدفاع والهجوم وارهاب الآخرين، مما يوجد لها هيبة واحتراما فتصبح مسموعة الكلمة.

أما القوة الدبلوماسية والسياسية فقد تفوق فيها المسلمون منذ زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،  وستكون دبلوماسية نشطة كخلية النحل لعزل الاعداء وجعل الجو السياسي العالمي مع القيم الرفيعة التي يدعو لها الاسلام ودولته. وقبل كل هذه العوامل فإن إحسان تطبيق الاسلام سينتج عنه رضا الله وتأييده للمسلمين بمدد من عنده، ولله عاقبة الامور.

قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

د, الأسعد العجيلي عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This