هل فشل الإسلام السياسيّ؟ أم هي عادة العلمانيين في التدليس والتزوير؟

هل فشل الإسلام السياسيّ؟ أم هي عادة العلمانيين في التدليس والتزوير؟

مع اقتراب الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة في تونس كثر حديث العلمانيين عن الإسلام السياسيّ زاعمين فشله ويضربون على ذلك الأمثلة من فشل ما يسمّونه “التجربة السياسيّة” لبعض الحركات “الإسلاميّة، في مصر والسودان وتونس ومن قبلها الأردن …

 وظاهر من الأقوال والمقالات والأحاديث الإعلاميّة أنّ المقصود بالإسلام السياسيّ هي بعض الحركات أو الأحزاب التي اتّخذت من الإسلام صفة لها من الذين قبلوا دخول اللعبة الديمقراطيّة للوصول إلى الحكم، أمّا ما تلمّح إليه تلك الأقوال (دون أن تصرّح) أنّ الإسلام لا يمكن أن يكون بديلا عن الأفكار العلمانيّة وعن الدّيمقراطيّة كبرنامج سياسيّ وعن الرّأسماليّة كمنظومة اقتصاديّة.

تلبيس التسمية:

يبدو مفهوم الإسلام السياسيّ مفهوما غريبا عجيبا، ذلك أنّ الإسلام هو الإسلام، قال تعالى ” إنّ الدّين عند الله الإسلام” فالإسلام هو الدّين الذي أنزله الله على رسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي بيّنه للنّاس ولم يجعله غامضا ولا مجهولا بل كان واضحا بيّنا مبينا، ثمّ إنّ الإسلام جاء لينقذ البشريّة من استعباد الانسان للإنسان وليجعله فقط عبدا لله الواحد القهّار، جاء الإسلام لينظّم حياة البشر جميعهم في كلّ مجالات الحياة وليرعى شؤونهم بما يصلحها فكان بذلك نظاما سياسيّا بالمعنى الحقيقي لكلمة سياسة (رعاية الشؤون)، ولذلك كان من الغريب العجيب أن نجد في بلاد المسلمين هذا الفصل الهجين بين الإسلام والإسلام السياسيّ، الذي أوجد فصلا أشدّ غرابة هو الفصل بين إسلامي وغير إسلاميّ، فصار من “العاديّ” أن نجد تصنيفات للمسلمين من نوع مسلم إسلاميّ ومسلم غير إسلاميّ (هكذا)، والحال أنّ المنطق السليم: منطق اللغة والفكر والشرع يفرض أن الإنسان إما أن يكون مسلما أو كافرا غير مسلم. وبالتبع فإن العقائد والأنظمة والبلاد وغيرها توصف بالإسلاميّة إن كانت العقيدة الإسلاميّة هي السائدة المحدّدة للأنظمة (التشريعيّة والإداريّة والسياسيّة والاقتصاديّة وغيرها….”.

وقد راج مصطلح “الإسلام السياسيّ” ومعه مصطلح “الإسلاميين” مع هيمنة الفكر الغربي الديمقراطي في العالم الإسلامي، وتبلبل التفكير عند المسلمين وانبهار ثلّة من المثقّفين بالثقافة الغربيّة بالديمقراطية والعلمانية وصارت دينهم الجديد، فظهر تصنيف الناس –ومن ضمنهم المسلمين- إلى “إسلاميين” وغير إسلاميين، مع أن الإسلامي هي صفة للشيء لا للشخص.

وساهم ظهور هذه المصطلحات الهجينة في إزالة الحواجز النفسية والفواصل المبدئية بين العلمانية وبين الإسلام، بين الكفر والإسلام، ومهّد لقبول ما لا يُقبل عادة ولا يكون في الأصل، بأن يكون المسلم غير إسلامي، في تناقض عجيب غريب مستحيل لا يستقيم في العقول السليمة.

 ومن جرّاء ذلك حوّلوا الدعوة لتحكيم الإسلام في الدولة دعوة خاصة بفئة قليلة من المسلمين وسمّوهم بالإسلاميين، وسمّوا مشروع هذه الدّعوة ب”الإسلام السياسيّ”. ولا يخفى مقدار الخلط الفكري والتلبيس السياسيّ الذي عمل على تحويل رسالة الإسلام العظيم رسالة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلى مجرّد “مشروع” لقلّة من المسلمين لا لعامّتهم، وكان ذلك من عمل القوى الغربية الصليبيّة التي عملت على تثقيف “نخبة” من أبناء المسلمين لحمل ثقافة الغرب العلمانية وترويجها في الأمة من باب أنهم مسلمون غير إسلاميين، ومن ثمّ فُتح الباب لتصنيفات أخرى أغرب وأعجب من قبيل إسلامي معتدل، وإسلامي متطرّف… وصار مقياس الفصل والتصنيف هو تقبل الديمقراطية وأخواتها (التعددية والمواطنة والتداول على السلطة مع شرط التخلي عن الشريعة كنظام متكامل يوحد الأمة).

تزوير الواقع للتدليس في الحكم

 يصنف الغرب –وأبواقه الإعلامية- المسلمين الساعين إلى إعادة الإسلام إلى الحكم عن طريق الخلافة الرّاشدة على أنهم إسلاميون متطرفون، أعداء للحريّة وللشعوب الغربيّة ولذلك لا يجب التسامح معهم أو فسح المجال لهم في العمل السياسيّ.

ومن هنا، فإن حديث العلمانيين عن “الإسلام السياسيّ” وتجربة الإسلاميين في طريق الديمقراطية محصور فيمن انخدع من المسلمين بزيف الديمقراطية ومن ضلل باعتبار أنّ الديمقراطية لا تناقض الإسلام، وهم الذين يصنفهم الغرب بالإسلاميين المعتدلين، ويحبون أن يصنّفوا أنسفهم كذلك، ويعتبرون أنهم يحملون “الإسلام المعتدل”، وصاروا يتحدّثون عن “الإسلام الديمقراطي”، ويحبّون أن يتشبّهوا بالأحزاب المسيحيّة الدّيمقراطيّة في بلاد الغرب.

ولهذه الأحزاب مسيرة طويلة ميّزها شدّة التقلّب والتبدّل ولقد كان خوضهم للتجربة السياسيّة ومشاركة العلمانيين للحكم نتيجة عمليّات ترويض متكرّرة، تمكنت من تحويل أدبيّاتهم عن مفاهيم سيد قطب –رحمه الله- عن المفاصلة بين الجاهلية والإسلام إلى المهادنة والتساكن مع العلمانية والديمقراطية، ثم إلى تسكين حركة المطالبة بالشريعة مع الجري خلف الديمقراطية، حتى قال أحد منظريهم: “الحريّة مقدمة على الشريعة”، وقال راشد الغنّوشي أنّ الشريعة اليوم  (سنة 2012) هي مصدر خلاف للتونسيين فلنتركها جانبا وزعم أنّ الدّيمقراطيّة هي التي ستوحّد التونسيين، ثمّ قال لا بدّ من إجراء انتخابات 2019 لأنّها ستكون شهادة تخرّجنا ديمقراطيّا.

فثبت تخلّى أولئك “الإسلاميّون” عن أنظمة الإسلام السياسية والاقتصادية وكثير من نظامه الاجتماعي وما يترافق مع ذلك من قوانين ومفاهيم، وصار رفعهم للإسلام شعارا دون مضمون، فوصلوا إلى الحكم ولم يصل معهم الإسلام، ثمّ كان وصولهم لمشاركة العلمانيين في الحكم (أو قل لمساعدة العلمانيين وأركان النّظام القديم على البقاء)، فكان من الطّبيعيّ أن يفشلوا فشلا ذريعا، لأنهم –في الحقيقة- ما كان عملهم إلا إعادة استنساخ الأنظمة الغربية العلمانية بصبغة “إسلامية” مخفّفة.

ومن هنا فإنّ حديث العلمانيين الطّويل العريض عن فشل الإسلام السياسيّ إنّما هو حديث تزوير وتدليس، وذلك للأسباب التالية:

  • الحركات الإسلاميّة المعدّلة لا تمثّل الإسلام ولا تعبّر عنه خاصّة وأنّها تخلّت عنه صراحة وبخاصّة حركة النّهضة في تونس التي نزعت عباءة الإسلام بل سلخت جلدها سلخا لكي تثبت للغربيين ولحفنة العلمانيين في تونس أنّها تطوّرت وما عادت “متطرّفة”، ما عادت تحمل الإسلام ولا مشروع الإسلام وأظهرت ذلك خاصّة في مؤتمرها العاشر حين أعلنت فصل الدّعوي عن السياسيّ أي فصل الإسلام عن السياسة.

  • فلماذا ينسب العلمانيّون الفشل إلى الإسلام؟ والحقيقة أنّ الفشل كان في محاولة أسلمة العلمانية، أو خلط الإسلام بالديمقراطيّة، بل إنّ المحقّق ليرى أنّ الفشل ملازم للديمقراطيّة أينما كانت.

  • فبعد فشلهم فكريّا في التصدّي للإسلام وأفكاره لجأ العلمانيّون إلى أمثلة خاطئة ليقولوا أنّ الإسلام وصل إلى الحكم لكنّه فشل، وهي محاولة بائسة، لأنّ الإسلام لم يصل إلى الحكم ولم تطبّق أنظمته ولم يصل إلا بضعة نفر ممّن كانوا محسوبين على الإسلاميين ثمّ انسلخوا وأكثر من ذلك فإنّهم لم يحكموا منفردين بل كانوا مجرّد مشاركين. ليس في الحكم بل في تنفيذ برامج القوى الغربيّة المهيمنة على المشهد السياسيّ في تونس.

  • العلمانيون ينافسون على كعكة السلطة ويخشون من مزاحمة “الإسلاميين” على استرضاء الغرب فظلّوا يخوّفون السياسيين الغربيين بالقول أن الإسلاميين يريدون الديمقراطية لمرة واحدة. وأنّ “إيمانهم” بالديمقراطيّة مجرّد “نفاق” وأنّهم عديموا خبرة ب”دليل” فشلهم الحالي. وسيظلّ العلمانيّون يخوّفون الغرب من الإسلام والإسلاميين حتّى يكونوا الأداة الرئيسة بيد المستعمر في الهيمنة على البلاد.

وهكذا هم العلمانيّون في بلادنا كالمقامر الفاشل المفلس، يريد أن يلعب ويراهن لكنّه لا يملك شيئا لا يملك إلا الخداع والتلبيس عساه يستمرّ في اللعب. ولولا أنّ العلمانيين هم الضمانة الأصليّة للقوى الغربيّة المستعمرة لما بقي منهم من أثر في البلاد وذلك أن الغرب ما زال يحسب حسابا لوصول “الإسلاميين” عبر التسلل الديمقراطي وعلى حين غفلة من قوى العمالة التي تحرس مصالحه، وبالتالي يمكن أن يقلبوا للغرب ظهر المجن إن وصلوا إلى السلطة وتحركت فيهم عقيدة الإسلام، أو تحرك أتباعهم وضغطوا لتطبيق الإسلام.

لذلك سيظل الغرب متوجسا من فتح المجال لتمكين الإسلاميين (ولو بعد تعديلهم وإعادة رسكلتهم) من مفاصل الحكم، حتى مع تواتر توصيات معاهد الدراسات الاستراتيجيّة “بفتح الطريق” أمام الإسلاميين المعتدلين من أجل “قطع الطريق” على وصول الإسلام الصافي للحكم بتطبيق الخلافة.

وختاما نقول:

للإسلاميين المعتدلين بل المعدّلين الذين رضوا أن يتنازلوا عن تطبيق الإسلام وفصلوه عن السياسة، نقول لهم لو خرجتم من أفكاركم وأعلنتم (كما أعلنتم) عن تبنّي الديمقراطيّة الغربيّة ولو ساهمتم في التشريع من دون الله وأبعدتم أحكام الإسلام وأنظمته من برامجكم، لما رضي عنكم الغرب وأتباعه، بل لو أنّكم سلختم جلودكم ما عرفوكم ولا قبلوكم.

وصدق الله العظيم حيث يقول:

” ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتبع ملّتهم”

محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This