العيد صوت القوة يهتف بالأمة: اخرجي يوم أفراحك، اخرجي يومًا كأيام النصر

العيد صوت القوة يهتف بالأمة: اخرجي يوم أفراحك، اخرجي يومًا كأيام النصر

ما أشد حاجتنا نحن -المسلمين- إلى أن نفهم أعيادنا فهمًا جديدًا، نتلقاها به، فتكون أيّام العيد أيّاما، تنبه فينا أوصافها القوية، وتجدد نفوسنا بمعانيها الرّاقية الصّادقة، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة خالية من كلّ معنى، أكبر عملها تجديد الثياب، وتحديد العطل. والتّظاهر بالفرح ولا فرح، وأنّى لهم الفرح وبلادهم ممزّقة؟ وأنّى لهم الفرح وأهلهم يذبحون في أقدس بقاع الأرض؟ وأنّى لهم الفرح ومسرى رسولهم الكريم أسير؟

فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه:

العيد في إسلامنا العظيم هو يوم المبدأ، لا يوم المادة يوم تثبت فيه الأمة وجودها في أجمل معانيه، فعيدُنا عيد الفكرة العابدة، لا عود الفكرة العابثة؛ وعبادة الفكر تجمع الأمّة على حقائق الحياة باعتبارها أمّة رسالة، أمّة منوط بها إكمال عمل الأنبياء والرّسل.

والعيد تذكير للأمة أنّها أمّة واحدة، أمة الإسلام العظيم «خير أمّة أخرجت للناس…» فالعيد هو المعنى الجامع للأمّة بكافة أعراقها ولغاتها وبلدانها، بعد أن أتمّوا عبادة عظيمة، اجتمعت وأجمعت عليها شهرًا كاملًا.

يذكّرنا العيد أنّالأمّة الواحدة لا تكون واحدة إلّا إذا جمعها كيان سياسيّ واحد موحّد جامع حتى يرجع بلد الإسلام بلدا عظيما، هو لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة؛ وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.

والعيد تذكير برمز هذه الوحدة وجامعها خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين وهو من يحيي هذه الشعيرة في مركز بلاد المسلمين؛ في خلافتها؛ حين كان خليفة المسلمين يؤم الناس في صلاة العيد، أو ينيب أحدًا من المسلمين في حضرته، في عاصمة الخلافة، ويعلي ذكر الله عز وجلّ، ويرفع صوته بشعارات التكبير تدوي في كل أرجاء الدولة، ويرددها خلفه المسلمون بعزة وقوة وإباء: الله أكبر… الله أكبر… الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون…

ثم يستقبل خليفة المسلمين المهنئين من الولاة والعمال من كافة أرجاء الدولة، ويستقبل قادة الجند ينقلون له أخبار الانتصارات والفتوحات الجديدة في كافة أرجاء الأرض…

هذه المعاني السّياسيّة القويّة؛ معاني العزّة والمجد لتعاودنا في كلّ عيد ونحن نرى حال المسلمين اليوم، مشتّتين في عيدهم ممزّقة أقطارهم، ومشاعرهم. هذه بلادهم ينتهكها الكافر المستعمر، وهذه أمريكا رأس الشّرّ في العالم تُحاربُهم وتقود عصابات يهود تقتلهم وتُهدّم فلسطين على رؤوس أهلها، بعد أن حطّمت العراق وأفغانستان وسوريا والسّودان.

يذكرنا عيد هذه الأيّام مآسينا؛ أمّة كثير عددها(أكثر من مليار ونصف المليار)، يغتصب شرذمةٌ من عصابات يهود أقدس مقدساتها؛ في أرض الإسراء والمعراج، ويسومون أهلها سوء العذاب، يقتلون أبناءهم ونساءهم وشيوخهم. وجيوشهم محبوسة في ثكنات كأنّها السّجون بل القبور.

يذكرنا عيد هذه الأيّام بملايين المهجّرين والمشرّدين من المسلمين في أقطار الأرض يأكل الصقيع أطرافهم، ويقتلهم الحر الشديد في الصيف حيث لا ماء ولا غذاء ولا مأوى… ويعانون ما يعانون في الأردن وتركيا ولبنان ومصر وغيرها، يُحشرون في محتشداتتحيط بها أسلاك شائكة خانقة، في خيام لا تقي حرًا ولا قرًّا… وخيرات المسلمين يتنعم بها أعداء الإسلام وشركاته الكبرى عابرة البحار والقارات. وبلاد المسلمين ترتع فيها أميركا وأوروبا كيف تشاء…

كيف يجب أن نستقبل عيدنا؟

إذا كان عيد الفطر المبارك شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، هو يوم من أيّام الله سنّ لتعليم الأمّة كيف توجه بعقيدتها وبقوّتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت؛ فقد وضع لها الدين القواعد لتُخرِّج عليها الأمثلة، أمثلة العزّة والنّصر. فينبغي أن يستقبل المسلمون عيدهم باعتباره:

  • إشعارا للأمّة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا أن تتغيّر الأيام وهي لا تشعر، ينبغي أن يكون العيد إظهار لكيانيّة الأمّة الواحدة يهتف فيها أن لا مكان للأمم الضعيفة التي يرضى أهلها بالاستعباد والذّلّ.

  • صوت القوة يهتف بالأمة: اخرجي يوم أفراحك، اخرجي يومًا كأيام النصر!تستحضر انتصاراتها، أمثلة تتعلّم منها وتنسُج على منوالها، تتعلّم منها كيف تكون المواقف الصّادقة، وتتذكّر كيف يكون الجدّ في نُصرة المسلمين، وترى كيف يكون رجال الدّولة بحقّ كيف يكون قادة المسلمين الصّادقين، ترى المعتصمٌ بالله؛ خليفة المسلمين يلبي دعوة امرأة استغاثت وامعتصماه، فيُجرّد لصرختها جيشا أوله في زبطرة على حدود الروم وآخره في بغداد؟! قال أبو تمام واصفًا هذه العزّة:

لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَه

أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً

حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً

كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ

ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُب

وتتعلّم من النّاصر صلاح الدين الأيّوبيجدّ الانتصار للمظلومين، إذ يلبي صرخة امرأة في قافلة الحج استنجدت به؛ قائلًا والله لأذبحن أرناط – حاكم الكرك- بحد سيفي هذا، وأوفى بوعده في معركة حطين؟!

وتتعلّم من قتيبة بن مسلم كيف يكون شرف القائد المسلم الذي لا يرضى بالأموال الكثيرة يعرضها كفّار روّعوا المسلمين فرفض الدنانير والدراهم، وقاتلهم حتّى قتلهم قائلا: »والله لا تروَّع بك مسلمة بعد اليوم أبدًا ».

هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثًا دائما في الإسلام، ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة جهاد ونور وعزّة وكرامة.

هذه هي المعاني الصّادقة والأوصاف القويّة التي ينبغي للمسلمين استعادتها في عيدهم، وإن هذه المعاني وغيرها من شعائر ومشاعر العزة بدأت تدبّ في المسلمين، الذين وعوا مرّة أخرى على كيانهم الواحد الممزّق ورأوا رأي العين عدوّهم تقوده رأس الشّرّ أمريكا تُحالفُها أوروبا، وعاينوا معاينة خضوع حكّامهم بل تواطأهم مع العدوّ، فهذا سيسي مصر يحاصر غزّة ويجوّع أهلها، أمّا حكّام تركيا والأردن وسوريا وإيران وتونس والجزائر فجعجعة ولا طحين،

سقوا فلسطين أحـــلامـــا ملــــونة وأطعموها سخيف القول والخطبا

لقد أن الأوانأن تجتمع هذه الأمة «كما كانت» أمة واحدة من دون الناس»؛ متمثّلة قول الله تعالى: (وإن هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون) 52 المؤمنون.. وقول رسولها عليه الصلاة والسلام: «المسلمون أمة واحدة من دون الناس» في دولة واحدة تحت إمرة خليفة واحد، ترفع راية واحدة هي راية « لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتطبق شريعة الإسلام العظيم.

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )