14 جانفي 2011 الشعب التونسي يصنع التاريخ

14 جانفي 2011 الشعب التونسي يصنع التاريخ

لم يكن أحد يتصور أن بن علي سيفرّ هاربا خارج البلاد أمام ضغط الشارع الثائر، إلا أن الأكيد هو أن الشعب التونسي الذي ثار ذات ديسمبر 2010 قد أخذ قراره واختار طريقه وحزم أمره، فلا تراجع حتى يسقط النظام والقائمين عليه.

للشعب التونسي أن يفتخر بالتحوّل المجتمعي العميق

صحيح أن النظام لم يسقط، إلا أن فرار الطاغية أمام غضب الجماهير شكل سابقة في تقرير المصير وقدرة الشعوب على التغيير، فكانت الشرارة التي أشعلت ثورة الأمة فأطاحت بطغاة وخلخلت عروش آخرين وأربكت الكفار المستعمرين وضيقت خياراتهم وأجبرتهم على التظاهر بأنهم مع الثورة والثائرين ولو إلى حين. وسينصف التاريخ يوما الشعب التونسي ودوره الرّائد والطلائعي في كسر الجمود الذي سيطر على العقل العربي والمجتمعات العربية، فالثورة التي توّجت يوم 14 جانفي 2011 بتجمع حشد عظيم  أمام وزارة الداخلية ليصرخوا بأعلى صوتهم “ارحل “في وجه القمع والاستبداد كانت منطلقا لتاريخ جديد سوف تتبلور قسماته عند الأجيال القادمة، وفي ظلّ بؤس الطبقة السياسيّة الحالية وجهلها وتبعيتها وعدم تموقعها لصالح الثورة والثائرين.

فساد المنظومة وفرض التبعية

تحيي الثورة التونسية ذكراها التاسعة على فرار الطاغية في ظل وضع سياسي واجتماعي واقتصادي متأزم، حيث تشهد الساحة السياسية فراغا سياسيا وفجوة كبيرة بين الفرقاء السياسيين حول تشكيل الحكومة. في مشهد تتحكم فيه القوى الغربية التي فرضت خيارها الحضاري والسياسي ليبقى الناس في دائرة مغلقة، بحيث تكون أي محاولة للتغيير لا تتجاوز الوجوه والأشخاص لتبقى المنظومة الغربية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

لذلك لم تتغير الخيارات الاقتصادية، فنهب الثروات متواصل, وزاده يوسف الشاهد ووزير إصلاحاته الكبرى، السير في التفويت فيما تبقى من مقدرات الشعب التونسي من المؤسسات العمومية لصالح الرأسمالي الأجنبي، وصادق مجلس النواب على قوانين الاستثمار الخارجي التي تخدم بالأساس الشركات الأجنبية و 53 قانون من قوانين الإصلاحات الكبرى التي بلغت نسبة انجازها 85 بالمائة، كما تمت المصادقة على استقلالية البنك المركزي الذي يمثل السلطة النقدية للبلاد ليقع توجيهه من طرف لجنة يقودها أجانب أقل ما يقال فيهم أنهم يعملون على تأمين مصالح دولهم. وهذه اللجنة التي ترسم السياسات الاقتصادية للبلاد تظم السفير الفرنسي بتونس، والإدارة العامة للخزانة الفرنسية، وسفير الاتحاد الأوروبي، ومنظمات أوروبية أخرى، وهي من رسم ما يسمى بالمخطط الخماسي الذي يبلغ عامه الخامس هذه السنة، ويكفي أن نعرف حجم الديون التي خلفها هذا المخطط (أكثر من82.6 مليار دينار) والعجز في ميزان المدفوعات حتى ندرك مدى فداحة ما يخطط لهذا الشعب الطيب الذي تعتبر ثورته تمردا حقيقيا على النفوذ الغربي وأدواته المحلية.

أما الكارثة الأخرى فهي اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق (الأليكا) مع الاتحاد الأوروبي، والتي تهدد الأمن الغذائي للبلاد، باعتبارها تستهدف القطاع الفلاحي وهو أخر ما تبقى من موارد بعد تسليم الثروات الطبيعية للشركات الاستعمارية والسير في التفويت في المؤسسات العمومية لسماسرة رأس المال الأجنبي.

وعي

بعد تكرر فشل الحكومات المتعاقبة، تشكل رأي عام في تونس على أن المشكلة تكمن في النظام وليس في القائمين عليه, وأن الذي يسند هذا المشروع هو القوى الغربية، لذلك قاطع أكثر من نصف الناخبين الانتخابات، وانتخب الباقي ممن يغلب على ضنهم أنه قادر على التغيير، وفي كلتا الحالتين، رسالة أهل الزيتونة والقيروان واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار: رفض للمنظومة الغربية والقائمين عليها، وإجماع على ضرورة التغيير وإن لم يتبلور شكله.

تجدد أنفاس الثورة

إن الغرب اليوم في أضعف حالاته أمام حراك الأمة الممتد من العراق شرقا إلى الجزائر غربا، وهو يتخندق في آخر الساحات وهامش التحرك عنده ضئيل وأوراقه مكشوفة، ومشروعه الحضاري يخضع للضغط الشديد والمساءلة والمحاسبة, ويكاد يحتضر, ورجالاته عاجزون, وقبضته تراخت، وبالمقابل, فإن النفس الثوري قد تجدد عند أبناء الخضراء، وهم اليوم متحفزون أكثر من أي وقت مضى لإتمام ثورتهم بالإسلام باعتباره البديل الحضاري الوحيد القادر على تحريرهم تحررا كاملا غير منقوص، ليجعلوا من بلد الزيتونة والقيروان نموذجا ونواة لدولة قوية تلتحم مع امتدادها الطبيعي في المنطقة، لنشر العدل في الأرض بعدما امتلأت جورا.

 قال تعالى: “سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون”.

د, الأسعد العجيلي,رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This