إدارة الكوارث والأزمات من وجهتي نظر الرأسمالية والإسلام

إدارة الكوارث والأزمات من وجهتي نظر الرأسمالية والإسلام

د. حامد شاهين – الأرض المباركة (فلسطين)
تُعَرَّف الأزمة بأنها أي تهديد قد يُلحق الأذى بالأشخاص أو الممتلكات العامة أو يؤدي إلى تعطيل سير العمل أو جزءٍ من الحياة. ولا يختلف تعريف الكارثة كثيرًا عن تعريف الأزمة، فكلاهما أحداث ذات منشأ طبيعي أو بشري تؤثر على المجتمع من خلال عرقلة أو إيقاف الحياة البشرية، وتسبب الخسائر المادية والبشرية.أما إدارة الكوارث والأزمات، فيقصد بها الخطط التي تضعها الدولة من العمل المسبق للحد من وقوع الكوارث أو عدم تفاقمها، وكيفية التعامل حال حدوثها، وإصلاح نتائجها. ويكون ذلك بالتخطيط بين أجهزة الدولة عبر لجنة عليا مختصة لإدارة الكارثة

:إدارة الكوارث والأزمات من وجهة نظر الرأسماليين

«وحدها هي الأزمة سواء الواقعة أو المنتظرة بإمكانها أن تحدث تغييرًا حقيقيًّا… وحدها الأزمة القادرة على جعل المستحيل في السياسة حتمية سياسية». كلمات سطرها المفكر الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان صاحب مذهب شيكاغو الاقتصادي الذي عبر عن حقيقة النظام الرأسمالي في إحداث الكارثة أو استغلالها وإطالة عمر الأزمات والإبقاء عليها مستمرة. وهذا ما تشكلت عليه العقلية الرأسمالية النفعية في النظر إلى الكوارث والأزمات وإدارتها، فالأزمات رديفة النظام الرأسمالي وعنصر مهم لضمان النظام واستمراريته، وهو ما أكده المناهضون للرأسمالية في مؤلفاتهم العديدة مثل كتاب (رأسمالية الكوارث) للصحفي الأسترالي الألماني أنتوني لوينشتاين، وكتاب (عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث) للكاتبة الكندية نعومي كلاين، وغيرها من المؤلفات التي أبرزت كيفية إدارة الرأسماليين للأزمات والكوارث الطبيعية باستغلالها والإطالة في أمدها في سبيل تحقيق الأرباح المادية.

تناولت تلك المؤلفات كيف تجبي الحكومات والشركات العالمية أرباحًا من الحروب ومصائب البشرية، وصناعة الخوف والهلع والفوضى في إدارة الأزمات في سبيل المال، فالفوضى في نظر الشركات الأمنية هو ما يبقيها مستمرة على قيد الحياة

:وهذه بعض الشواهد المعاصرة على كيفية إدارة الرأسماليين للكوارث والأزمات وفق منظور النفعية

إعصار كاترينا الذي ضرب بعض الولايات الأمريكية عام 2005م، فقد كان الساسة الأمريكان سعداء من حدوث الإعصار، فعبر ريتشارد بايكر وهو ممثل جمهوري عن ولاية نيو أورلينز المنكوبة، أن الله قد أنهى على الإسكان الشعبي الذي لم يكن باستطاعتهم إنهاؤه لكن الله استطاع، ليعاد الإسكان تحت إشراف الشركات ورجال الأعمال والبنوك. ودعا ميلتون فريدمان الدولة الأمريكية إلى استغلال تلك الفرصة «الفاجعة» لتتوقف عن دعم التعليم الرسمي، وتترك المجال للتعليم الخاص وبناء المؤسسات التعليمية الربحية.

جائحة كورونا: المثال الصارخ على انحطاط العقلية الرأسمالية، وكيفية إدارة الدول الرأسمالية للأزمة بعقلية القراصنة والمافيات. فقد كانت الإجراءات المتبعة من الرأسماليين: التكتم، وتأخير التحذير منه، ثم الحجر الصحي الجزئي ثم الكامل
فقد أخذت الصين تدير الأزمة من بدايتها بالكتمان لتجنب الخسائر الاقتصادية. وبريطانيا التي تفتقت عقلية السياسيين فيها بخطة مناعة القطيع مستهترة بأرواح الناس لا سيما كبار السن. أما الاتحاد الأوروبي، فقد أدار وجهه عن مساعدة دوله كإيطاليا التي طالبت بدعم نحو 25 مليار يورو، واستخدام موارد صندوق الإغاثة الأوروبي لتتمكن من السيطرة على المرض

أما الولايات المتحدة برئاسة ترامب، فقد كان توجهه في بداية الجائحة كسر القيود المفروضة على حركة الأفراد والعمل، وفتح الأسواق خوفًا من الركود وخسائر البورصات، معتبرًا أن خسائر الإقفال الشامل أكبر من خسائر كورونا! وبدل أن تقوم الدولة بوضع الخطط الصحية لحماية الناس والحفاظ على سلامتهم، فقد تُرك القطاع الصحي في يد الشركات العابرة للقارات كشركات الأدوية والتأمين وشركات التكنولوجيا لتحقق الأرباح المادية من الجائحة. وفوق ذلك كانت قرصنته للأدوات الطبية واضحة مثل قرصنة شحنة الكمامات المتجهة إلى ألمانيا، ومحاولته إغراء المدير التنفيذي لشركة كيور فاك لنقل شركته من ألمانيا إلى الولايات المتحدة مقابل مبلغ مليار دولار لاحتكار اللقاح. كما حاول ترامب جذب علماء ألمان كانوا يعملون على مشروع لقاح ضد الفيروس. ومنعه شركة (M3) الأمريكية من تصدير منتجاتها الطبية إلى دول أخرى. فبدت أمريكا وكأنها دولة من دول العالم الثالث في إهمالها الطبي وطبيعة العقلية التي تحكمها

أما الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات الـمُناخية، فإن معظم المحللين والخبراء في الأمم المتحدة يرون أن المتسبب الأول للتغيرات الـمُناخية التي يشهدها العالم من حرائق، وفيضانات، وذوبان للجليد، وموجات الحرارة، والاحتباس الحراري هي الرأسمالية. فقد نجم جراء الكوارث الطبيعية موت مليون ومئتي ألف شخص منذ عام 2000م، ويزداد الأمر سوءًا وخطرًا أعظم من خطر كورونا على حد وصف الأمينة العامة لمكتب الأمم المتحدة مامي ميزوتوري.

وبدل أن تقف الدول عند حدود مسؤولياتها لحل تلك التغيرات المناخية نجدها تدير الأزمة بتحميل الآخر المسؤولية كما حدث بين الصين وأمريكا. وانسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017م؛ لادعائه بأن أمريكا تخسر التريليونات من الاتفاقية، وأنه يجب تعديلها؛ حيث رجحت إدارته جانب الأرباح المادية على حساب البيئة؛ لأنها تنطلق من قاعدة الربح والخسارة في كل سياساتها؛ فكان قرار الانسحاب من الاتفاقية خادمًا لشركات الفحم والنفط الأمريكية من الدرجة الأولى.

وأما الزلازل، فإن نظرة الدول الكبرى وإدارتها لتلك الكارثة لا تخرج عن مفهوم النفعية والمصالح التي تخدم سياساتها رغم الادِّعاء بـحقوق الإنسان

فقد أخذت المنظمات الدولية بتهويل الخسائر ونشر معلومات كاذبة عن أعداد قتلى زلزال هايتي عام 2010م، للحصول على دعم كبير تحت مسمى المساعدات الإنسانية.

والزلزال الذي ضرب الشمال السوري مؤخرًا، فوفق المنظمة العربية لحقوق الإنسان والأمم المتحدة، فقد فشل المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في الاستجابة السريعة للكارثة، بينما كان الاهتمام منصبًّا في مساعدة المناطق الخاضعة للنظام السوري. فقد توقفت المساعدات الأممية المجدولة للشمال السوري بعد تعطُّل معبر باب الهوى في حين كانت تعبر عشرات سيارات الإسعاف منذ اليوم الثاني للزلزال عبر المعبر لنقل الضحايا السوريين الذين قضوا داخل الأراضي التركية، وكان التعذر بالإجراءات القانونية لعبور المساعدات، فتُرك السوريون تحت أسقف بيوتهم التي أطبقها الزلزال عليهم ليواجهوا مصيرهم. كل ذلك نكاية بالمسلمين الثائرين على النظام السوري الداعين إلى التغيير على أساس الإسلام.

هذا غيض من فيض نظرة النظام الرأسمالي للكوارث والأزمات الذي إن لم يحدثها فهو يعمل على بقائها واستغلالها في سبيل تحقيق مصالحه المادية أو السياسية. فهو من أدار الأزمة المالية الآسيوية عام 1997م بفتح الطريق لصندوق النقد الدولي لفرض برامج وبيع شركات حكومية لبنوك أجنبية. وهو من أحدث الأزمات المالية التي لم تنتهِ. وهو من استغل ضربات 11 أيلول لإطلاق حملة (الحرب على الإرهاب) لمهاجمة الإسلام والسيطرة على خيرات المسلمين.

وقد أتاحت القوانين الدولية، كما في ميثاق الأمم المتحدة، للدول بالنفاذ إلى المناطق المنكوبة تحت عناوين «واجب التعاون» و«المجهود الإغاثي» عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كالصليب الأحمر، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، لتقديم «المساعدات الإنسانية» التي تعدها الأمم المتحدة تكملة للجهود الوطنية وليست انتقاصًا من سيادة الدولة المنكوبة أو المتضررة. ولعبت تلك المنظمات «الإنسانية أو الخيرية» دور التكسب، والتجسس كما حصل في السودان، وكوريا الشمالية، وسوريا، وشمل ذلك الصليب الأحمر الذي وجهت له الاتهامات لتغطية جرائم يهود في حربهم على غزة عام 2014م، وجرائم الحوثيين في اليمن عام 2020م. كما لعبت تلك المنظمات باسم المساعدات الخيرية والإنسانية دور التبشير مثل تحالف العمل الكنسي المشترك، وتحالف إنتر آكشن المكون من 180 منظمة دينية وعلمانية تعمل في أفقر البلاد.

إدارة الكوارث والأزمات من وجهة نظر الإسلام

من منطلق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…وَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فإن الرعاية منوطة بالإمام «خليفة المسلمين»، ومن ذلك إدارة الكوارث والأزمات على الوجه المطلوب بالعمل المسبق للحد من وقوع الكوارث وإصلاح نتائجها، فتقوم الدولة بتوفير كافة السبل كمراكز البحث العلمية، والمستشفيات، والمعدات، والأدوات الطبية، والأدوية، وهكذا تعتني بالجانب الصحي خير رعاية ولا تجعله قطاعًا خاصًّا ليقوم بتوفير الخدمات بما يحقق الأرباح وينتهز الفرص، فلا يجوز خصخصة القطاع الصحي، فإن هذا النهج من شأنه أن يعرض القطاع الصحي للانهيار عند حدوث أزمة أو كارثة كبرى. فتوضع الخطط في سبيل توفير الرعاية الصحية الكاملة وفق أقصى طاقة لكل الرعايا في الدولة ممن يحملون التابعية

إن تطبيق الإسلام كفيل بالحفاظ على صحة الناس وسلامتهم، وإحداث الطمأنينة في النفوس عند حدوث الكوارث وانتشار الأوبئة. فثقافة الإسلام لا تخلق خوفًا ولا هلعًا كما فعلت الرأسمالية بشعوبها، فالمسلم يؤمن أن الكوارث الطبيعية والأوبئة هي من قضاء الله وقدره، فإن أصيب بضرر منها صبر واحتسب، وأدرك أن هذا ما كتبه الله له في الدنيا، وأن الشفاء والموت بيد الله وحده. وقد رأينا وسمعنا حال المنكوبين في الزلزال الأخير، فكان تفكير الواحد منهم أن يقوم من تحت الأنقاض ليصلي لله، وتلك التي لا تريد أن تنكشف عورتها، ورأينا حس المسؤولية كتلك الفتاة التي أخذت تحمي أختها خشية عليها من الأذى تحت الأنقاض.

كما تناول الإسلام كيفية التعامل مع الأوبئة حال حصولها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: »إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا»، وفي رواية أخرى »فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». ويقول صلى الله عليه وسلم… »لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

وعليه، فإن الدولة الإسلامية تتخذ التدابير اللازمة بموجب تلك الأحكام الشرعية، ففي حال انتشار وباء في الدولة، فإنها تتابع المرض من بدايته، وتعمل على حصره في المكان الذي نشأ فيه، وتوفر الطواقم اللازمة لمعالجة الأمر في المنطقة المصابة كفرض الحجر الصحي فيها، وتوفير الرعاية الصحية، وتمنع من الدخول إليها أو الخروج منها، بينما يستمر الأصحاء في المناطق الأخرى بالعمل والإنتاج.

لقد تعرضت الدولة الإسلامية للعديد من الكوارث الطبيعية كالمجاعات والأوبئة المعدية. ففي عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعرضت بلاد الشام إلى الطاعون «طاعون عمواس» عام 18هـ، الذي راح ضحيته ما يزيد عن 20 ألفًا. وأوكل الفاروق مهمة متابعة الوباء للقائد عمرو بن العاص الذي أصدر التعليمات لسكان المنطقة المصابة بالخروج نحو الجبال ما يحدُّ من انتشار الوباء، ويبعدهم عن الهواء الملوث في المناطق المنخفضة.

ومن اهتمام الدولة الإسلامية تأسيسها لمراكز الحجر الصحي للمصابين بالأمراض المعدية مثل مبنى الكرنتينا في مدينة الخليل الذي بني في عهد السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1848م. وسبقه مبنى آخر في دمشق. كما تناول الفقهاء بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بانتشار الوباء ومن ذلك كتاب «بذل الماعون في فضل الطاعون» لابن حجر العسقلاني الذي تضمن تعريف الطاعون، ورحمته بالمؤمنين، والأحكام المتعلقة بسكان البلد المصاب من حيث الخروج والدخول إليه.

وفي دولة الخلافة القائمة قريبًا بإذن الله، فإنها ستتخذ الإجراءات الرعوية لإدارة الكوارث، ومن ذلك إيجاد اللجان كـ«الوحدة المركزية لإدارة الكوارث» لإعداد الخطط حسب المناطق، وتضع لكل ولاية لجنة خاصة لإدارة الكوارث للتنسيق مع الإطفاء، والشرطة، والجيش، والتنسيق مع الولايات غير المتضررة في المجهود الإغاثي. وهذا ما كان عليه المسلمون في عام الرمادة الذي ضرب بلاد الحجاز، فكان الغوث من العراق ومصر والشام لإزالة الضرر، وتفريج الكربة، وإغاثة الملهوفين امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ»

وفي مجال الدعم بالمجهود الإغاثي: فإن دولة الخلافة تكتفي بمساعدات ولاياتها وما يقدمه المسلمون من مجهود إغاثي، وفرض ضريبة على الأغنياء منهم إذا لم تكفِ الأموال في بيت المال. ولا تسمح لما يسمى بفِرَق المنظمات الدولية وفرق الإنقاذ التابعة للدول بالدخول تحت حجة المساعدة الإنسانية، فعادة هذه المنظمات أنها توظف تلك الأحداث بأنشطة سياسية أو استخباراتية أو إعلامية أو دعم جهات لإثارة الفوضى والاضطراب.

فقد وظف كيان يهود الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا توظيفًا سياسيًّا وإعلاميًّا كبيرًا، فأرسل فريقًا إغاثيًّا إلى تركيا يتكون من 450 شخصًا حاملًا معه جهازًا لتحلية المياه كخدمة يقدمها للمنكوبين، وقام ببناء مستشفى ميداني تحت حماية عسكرية تابعة له؛ وذلك بهدف تحسين صورته أمام شعوب المنطقة لا سيما الشعب التركي، وترسيخ العلاقات التطبيعية مع تركيا، وجمع معلومات عن الزلزال. واستعد يهود لتقديم خدمات إنسانية لمناطق سورية في محاولة للاختراق والتجسس، ودعم جماعات متمردة مثل الأكراد في شمال سوريا الذين تلقَّوا دعمًا عسكريًّا مباشرًا من أمريكا

فضرر المنظمات الإغاثية الدولية أعظم من نفعها، ودخولها هو اختراق للدولة الإسلامية، وهو يأتي ضمن جعل سبيل للكفار على المؤمنين، والله سبحانه وتعالى حرم ذلك بقوله:(وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا)

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )