الأقصى يستغيث… فهل من مجيب؟

الأقصى يستغيث… فهل من مجيب؟

إن الهجمة البربرية التي شنها جنود الاحتلال الصهيوني على المسجد الأقصى ومعتكفيه فجر يوم الأربعاء 5 أفريل 2023، والتي اعتدي فيها على النساء والشيوخ بالضرب والتنكيل واستهدفوا بالقنابل الغازية، واعتقل فيها مئات الشباب، هي إرهاب همجي متوحش بكل المقاييس وهي جريمة نكراء تضاف إلى سجل جرائم هذا الكيان المسخ الذي ما زرع في أرض فلسطين إلا ليعيث في الأرض فسادا، فيهلك الحرث والنسل، وهو خنجر مسموم زرعه الاستعمار في خاصرة الأمة ليكون قاعدة للغرب في المنطقة وجسرًا للعبور إلى جسدها ليبقي حالة التشرذم والتمزق فيها، بعد سقوط دولة الخلافة سنة 1924م.

وإن تصريحات وبيانات الإدانة الباهتة التي صدرت عن أنظمة الملك الجبري وزعماء الخزي والعار تفاعلا مع هذا الإرهاب المنظم هي فعل الجبناء والعجزة وصناع الهزائم وإن كانت شديدة اللهجة، فقد عودنا الحكام اللئام على أشد عبارات الشجب والتنديد والاستنكار، وعلى إطلاق صواريخ الكلام العابرة للقارات، ثم على دس رؤوسهم في التراب والعودة إلى أحضان النظام الدولي ونفاقه السياسي، فتنتهي خطابات التهديد والوعيد بتقديم أهل فلسطين على طبق من ذهب لغطرسة الاحتلال الغاشم، كما يفعل زعيمهم أردوغان طيلة هذه السنوات.

لقد عانت أمتنا الإسلامية منذ أكثر من سبعين سنة ولا تزال تعاني من احتلال اليهود المغضوب عليهم لبلاد المسلمين، وتدنيسهم لمقدسات الأمة الإسلامية المتمثلة في المسجد الأقصى المبارك، وقيام اليهود، عليهم غضب الله، بالتشريد والقتل والاضطهاد والتعذيب والسجن والتنكيل بأبناء الأمة الإسلامية وانتهاك أعراضهم، وما حدث في مخيمات نابلس وجنين في الفترة الأخيرة واعتداء على حرمة المسجد الأقصى ليس عنا ببعيد، وهذا كلّه من أجل محاولة إلحاق الهزيمة النفسية بالمسلمين وتعمد إذلالهم والاعتداء على مقدساتهم بتواطؤ من حكام الذلة والمهانة.

وإن ما يحدث هذه الأيام من استهداف للمقدسيين ومن تدنيس للمسجد الأقصى وانتهاك للأرض والعرض، ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل الحرب الحضارية ضد الإسلام والمسلمين، لضرب معنويات الأمة واستهداف كبريائها، بل هي جزء من حرب نفسية مدروسة تريد أن تفت في عضد كيان الأمة الثائرة في كل مكان، فتخور قواه وتقضي طاقاته وتشل فاعلياته وتلين عزيمتهوتتوارى إرادته في التغيير على أساس الإسلام، عند الأفراد والجماعات، أو هكذا يطمع الصهاينة والصليبيون.

كل ذلك حدث ولا زال يحدث في أمة يعد أبناؤها قرابة المليارين مسلم، وترى هؤلاء المسلمين على كثرتهم عاجزين على إنهاء جرائم عصابة من اليهود تعيث في الأرض الفساد دون حسيب ولا رقيب، فما الذي كبل هذه الأمة غير هذه الأنظمة الوظيفية التي تخندقت في صف أعدائها ووالت الكفار المستعمرين والصهاينة المعتدين سرا وعلانية، على حساب أبناء الأمة الإسلامية؟

إن تحرير المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتحرير كل شبر في أرض فلسطين من رجس يهود، يبدأ من فك القيود الفكرية والثقافية التي تجعل مستقبل الأمة مرتهن بأيدي أعدائها، أي بنبذ عقيدة فصل الدين عن الحياة التي فرضها الغرب علينا عن طريق عملائه، والإيمان بالإسلام كاملا بوصفه نظاما للحياة والمجتمع والدولة. قال تعالى: « قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ».

فالإسلام جاء لتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولتكون حياتنا أفراد وجماعات لله رب العالمين، نعبده ونستعين به في كل أمورنا، ولا يذلنا عبد من عباده مهما بلغ سلطانه. ولكن حين رضينا بتجزئة الإسلام ونقض عروة الحكم، ضاعت سائر عرى الإسلام مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة »، حتى سلط الله علينا أرذل خلق الله يسوموننا سوء العذاب، لا يسايرهم في جرمهم وغيّهم من بني جلدتنا إلا من اتبع ملتهم فصار عبدا ذليلا لهم. قال تعالى: « ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم« .

ولكن ما يلفت الانتباه في العقود والسنوات الأخيرة، أن الأمة قطعت أشواطا كبيرة في معركة الوعي وفي مسار تحررها الفكري والثقافي من حضارة الغرب التي ظهر عوارها للناس وخفت بريقها في كل مكان. بل إن تنامي الصحوة الإسلامية وامتلاء بيوت الله في رمضان واحتشاد المسلمين للصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى، هو ما يغيظ أحفاد القردة والخنازير ويستفزهم لإظهار عدواتهم لدين الله، (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)، ولذلك اتخذوا مما أسموه « عيد الفصح » مناسبة لإطلاق يد البطش والإجرام ضد المصلين الأبرياء، لا يفرقون في ذلك بين كبير أو صغير، ولا بين امرأة أو رجل.

لقد برهنت العمليات الفردية التي قام بها بعض شباب نابلس أو جنين، مدى جبن كيان يهود ومدى هشاشة نظام الاحتلال، بل لقد رأى العالم أجمع كيف يستجمع هذا الكيان في كل مرّة قواه الخاصة والعامة ويدججها بالسلاح والعتاد والدبابات فقط من أجل مواجهة شاب يافع في عمر الزهور، فما بالنا لو تحرك في هذه الأمة العظيمة جيش لتحرير المسجد الأقصى من اليهود الغاصبين؟

إن تحرير الأقصى، ينتظر فك القيود والأغلال السياسية التي تكبل الأمة، بعد أن استفاقت وأدركت أنها أمة واحدة من دون الناس، وإن هذا الواجب العظيم، منوط بالأمة بوصفها أمة، لا بفرد أو جماعة فيها مهما بلغت قوتها، وإن قادها في هذا العمل حزب أو جماعة، ولذلك فإن على الأمة أن تسارع بخلع حكامها، ممن يحولون دون استعادة سلطان الإسلام، ويتاجرونبقضية فلسطين للوصول إلى السلطة، وأن يكون لأهل القوة والمنعة الدور الأكبر في عملية التحرير وكسر طوق العلمانية، باستعادة سلطان الأمة المغتصب وإقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة.

إن جيوش مصر والأردن، شاهدة على خذلان حكام البلدين للمسجد الأقصى، ومشاركتهم جرم هذا الكيان المسخ، فهم من كانوا بالأمس القريب (قبيل رمضان) يجالسون قادة (إسرائيل) في القاهرة برعاية أمريكية، ولذلك فإن كيان يـهود ماض في جرائمه بدعم أمريكي وتطبيع عربي وتنسيق سلطوي فلسطيني، وإن جـرائم يـهود لم تتوقف بالبيانات الباهتة والقمم الصورية التي ما فتئ يدعو لها الخونة من أشباه الحكام، بل لن تتوقفما لم تواجه برد فعل حقيقي ينسى أعداء الأمة وساوس الشياطين. ألم يأن إذنلهذه الجيوش ومن ورائها جيوش تركيا والجزائر أن تقف وقفة عز لنصرة المسجد الأقصى وإغاثة الحرائر والدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما آن للدماء أن تغلي في عروق أصحاب الرتب والنياشين؟

هذا هو حال المسجد الأقصى في ظل حكام التطبيع حكام الضرار،يئن ويستغيث ويستصرخ الأقوياء في هذه الأمة المستضعفة، إلى أن يجد خطاب حزب التحرير طريقه إلى قلوب المخلصين في جيوش المسلمين، فيحقق الله وعده، وتعلى راية الجهاد في سبيل الله، ويحرر الأقصى فندخله كما دخلوه أول مرة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز. فهل من مجيب؟

قال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )