الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10/12/1948): عولمة قيم رأسمالية كاذبة فضحها « طوفان الأقصى »

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10/12/1948): عولمة قيم رأسمالية كاذبة فضحها « طوفان الأقصى »

الأستاذ فتحـــي بن مصطفـــى الخميري

باحث في القانون ومحامي لدى التعقيب

تقديــــــم

  • صدر « الإعلان العالمي لحقوق الإنسان » عن منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948، وكان ذلك بالعاصمة الفرنسية باريس نظرا لما تمثله من رمزية في هذا المجــــال باعتبار أن هذه القيم الحقوقية التي تبنـــــاها نص الإعلان موروثة عن مبادئ الثورة الفرنسية وما يسمى « فلسفة التنوير ».

يتكون هذا الإعلان مـــن ثلاثين مادة (30) إلى جانب الديباجة، وهي تشكل مرجعا و »معيارا مشتـــركا لكل شعوب العالم » –حسب ما جاء بالتوطئة– وهذه الحقوق الأساسية ينبغي أن تكون موضوع حماية عالمية.

أولا- خصوصيات الإعلان

تبرز أهمية إصدار هذا الإعلان في الاتجاه نحو تقنين القيم الحقوقية إلى جانب استغلال منظمة الأمم المتحدة في عولمة تلك المنظمة الحقوقية.

  • الإعلان نقطة تحول في طبيعة المنظومة الحقوقية

 2- يعبر إصدار الإعلان عن نقلة نوعية إذ لم  تعد  القيم والأفكار التي تبناها مجرد أفكار فلسفية بل أصبحت تشريعا دوليا ومعيارا يتم الرجوع إليه في تشريع الدساتير والقوانين الوطنية ذات الصلة بموضوع الحقوق وهكذا انتقلت المسألة الحقوقية من الصعيد الفلسفي والفكري إلى الصعيد القانوني والتشريعي.

 3- إن صدور هذا الإعلان يشكل تحولا في اتجاه عولمة منظومة القيم الرأسمالية التي وردت بنص الإعلان. وهذه العولمة تعتبر انتصارا للقيم الليبرالية  وإكبارا وإعلاء للغرب وفكره وحضارته العنصرية والاستعمارية البغيضة وانتصارا للقيادة الفكرية  الرأسمالية المبنية على العلمانية وفصل الدين عن الحياة.

ب- تسخير منظمة الأمم المتحدة كأداة لعولمة قيم الإعلان

4- إن عولمة هذه القيم  الغربية وجعلها مسلمات ومرجعيات لجميع الشعوب والأمم  بواسطة منظمة الأمم المتحدة  يكشف أن هذه المنظمة تشكل الأداة السياسية المثلى بأيدي الغرب لفرض هيمنته الفكرية على العالم.

فكما أن صندوق النقد الدولي هو جهاز تحكم مالي في اقتصاديات الدول، فإن المنظمة الدولية  تشكل أداة سياسية بيد الغرب لنشر مشاريع الهيمنة وعولمة القيادة الفكرية والعقائدية للنظام الرأسمالي حتى جعلتها أفكارا صنمية غير قابلة للنقاش أو المراجعة.

ثانيا – تحطم صنم القيم الحقوقية للإعلان

من خلال المفاهيم الرأسمالية التي يتضمنها الإعلان من حريات وديمقراطية وحقوق الإنسان المزيفة فإنه يشكل بوابة تثبيت النظام الرأسمالي الذي يتحكم في البشرية ويذيقها ويلات الظلم والشقاء الأمر الذي بات يطرح ضرورة قيام بديل حضاري جديد لإنقاذ البشرية.

  • الإعلان بوابة تثبيت أركان النظام الرأسمالي

5 – بعد مضي عقود على إصدار الإعلان وتطبيق مبادئه وقيمه في مختلف التشريعات الوطنية للدول انكشف زيف ودجل تلك القيم التي تبناها الإعلان. فقد شكل هذا الإعلان ونحوه من المواثيق الدولية بوابة تثبيت أركان النظام الرأسمالي بعد تغليفه بمنظومة حقوقية يسهل من خلالها تطويع الشعوب وترويضها للقبول بالنظام الرأسمالي الاستعماري الفاسد، وبذلك أصبحت عولمة تلك القيم الحقوقية الأداة  المثلى بيد الرأسمالية لبسط نفوذها على العالم.

6- تحت عنوان حرية التملك كرس الإعلان نظاما اقتصاديا رأسماليا مبنيا على الاستغلال والظلم والاستعمار ونهب الثروات وسوء توزيعها حتى أصبحت نسبة (1%) من الأفراد النافذين يسيطرون على أكثر من (50 %) من الثروة العالمية.

   وتحت عنوان الحريات الشخصية كرس الإعلان نظاما اجتماعيا أفسد الفطرة السليمة للإنسان وهدم مفهوم الأسرة، كما ارتفع منسوب الجريمة المنظمة والعنف والفقر، وتهمشت الأخلاق القويمة إلى جانب تزايد أعداد المشردين ضحايا الانحلال الاجتماعي.

   أمــا على المستوى السياسي فقد أصبحت البشرية  محبطة وترزح تحت نير الظلم السياسي، وتخضع للعبودية بالقوة الغاشمة، وتئن تحت كابوس الشقاء والاستعباد والإذلال. وانكشف زيـــف « الانتخابات الحرة » « وحرية الرأي والإعلام » التي أصبحت مجرد صيغ شكلية تديرها حبائل القوى النافذة من وراء الستار لتمديد سيطرتها.

والخلاصة فإن تطبيق هذه القيم الغربية التي روج لها الإعلان أدت بالبشرية إلى البؤس والشقاء والفقر والتبعية الشاملة والاستغلال ونهب ثروات الشعوب في ظل تعتيم وتضليل إعلامي ممنهج.

7- لقد تأكد تهاوي صنم القيم التي تضمنها هذا الإعلان وافتضحت حقيقته خاصة أمام قضية فلسطين والحرب الراهنة التي يشنها الكيان الغاصب ومن ورائه الغرب على غزة. حيث تم تجاهل جميع تلك القيم الحقوقية  المعلنة، وتم تسخير الإعلام الغربي في تسويق جميع ممارسات التضليل والتعتيم الإعلامي ومساندة الظلم والقتل الممنهج للأطفال والنساء وتشويه المقاومة التي تتصدى لذلك العدوان الإجرامي السافر. وهذه هي حقيقة الدول الغربية الرأسمالية التي يملي عليها مبدئها الرأسمالي ضرورة الانتصار لمصالحها الاستعمارية في ظل الارتهان لحقدها الصليبي على المسلمين، وهو ما يكشف حقيقة القيم الكاذبة التي ترفعها وتروج لها وتتعامل معها بكل انتقائية وعنصرية.

8- وأمام هذا السقوط الأخلاقي للغرب وتهافت إعلاناته الزائفة ومواثيقه الكاذبة، لم يبق أمام البشرية سوى البحث عن البديل باعتبار أن القيم التي كرسها الإعلان ذات خلفية رأسمالية واضحة، فيكون من الطبيعي أن ينكشف زيفها ويتحطم صنمها أمام انتهازية الغرب وعنصريته، الأمر الذي يفتح باب التساؤل عن البديل القيمي والحضاري لإنقاذ البشرية.

ب- البديل الضروري لإنقاذ البشرية.

9- إن هذا الوضع الذي آل إليه حال البشرية جراء تطبيق النظام الرأسمالي وقيمه الليبرالية التي يروج لها الإعلان الأممي أصبح غير قابل للاحتمال وأصبحت البشرية اليوم في حاجة أكيدة إلى بديل يحررها من فساد هذه المنظومة وظلمها وعنصريتها .

الأكيد أن هذا البديل لا يوجد إلا بين يدي الأمة الإسلامية اليوم باعتبارها أمة رسالة، وهي الوحيدة القادرة على حل مشكلة العالم بفضل ما تمتلكه من مشروع بنيان تشريعي وحضاري متكامل للدولة والمجتمع. فهي تتحمل مسؤولية إنقاذ العالم ونفسها من واقع الاستعباد والتبعية والهوان الذي تردت فيه جراء تطبيق النظام الرأسمالي المغلف بمنظومة حقوقية زائفة ثبت فشلها وفشل كامل المنظومة الحضارية الغربية برمتها.

10 – فالأمة الإسلامية مكلفة بأن تأخذ على عاتقها مهمة إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لأنها أصلا وجدت من أجل هدى البشر وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام يكون فرضا عليها أن تنقذ  البشرية من الشقاء وأن تخلصهم من الظلم والتعاسة ومن الإذلال والاستعباد.

والحقيقة التي لا مرأى فيها أن أمة الإسلام مهما طالها من ضعف فإن بذرة التوحيد تشكل قوة روحية خارقة يمكن أن تنقلهم من التبعية إلى التحرر ومن الهزيمة إلى النصر، وتقود معها البشرية كافة إلى التحرر من الاستعباد الرأسمالي والقطع مع حبائل قيمه الحقوقية الكاذبة.

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )