الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي: ظاهرها شراكة وباطنها ابتزاز

الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي: ظاهرها شراكة وباطنها ابتزاز

« في إطار التعاون والشراكة » و »بناء على تاريخنا المشترك وعلاقتنا المتينة »..بمثل هذه الكلمات وغيرها يبدأ الإعلان عن إبرام الاتفاقيات بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي, ممّا يوحي بأن العلاقة بين الطرفين قائمة على التكافؤ والنديّة, خاصة إذا كان هذا مسبوقا بخطاب لرأس السلطة في تونس يتحدث فيه عن مكانة تونس المرموقة بين بلدان العالم, والحرص على صون سيادة تونس وكرامة أهلها أثناء التعامل مع الدول الكبرى. خطابات يسجل فيها « الخط الأحمر » حضوره بقوة: « سيادة تونس خط أحمر » « كرامة الشعب خط أحمر » ونحو ذلك من الشعارات التي دأب الحكام على ترديدها واجترارها كلّما التقوا بمسؤولي الاتحاد الأوروبيّ أو الولايات المتحدة.

أبرمت تونس مؤخرا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تضمنت نقاطا عدة من أهمها. تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية, بعث شراكة في مجال الطاقة المستدامة, وتعدّ مسألة الهجرة حجر الزاوية في الاتفاقية المبرمة بين الطرفين, فهي مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي, وفي مقدمته إيطاليا, ولهذا أخذت رئيسة الحكومة الايطالية « جورجيا ملوني » على عاتقها قيادة المفاوضات مع السلطة في تونس, وقد زارت تونس مرتين في أسبوع واحد وهذا ما لم نعهده في الأعراف الدبلوماسية, لكن خطورة الوضع بالنسبة لإيطاليا جعل رئيسة حكومتها تقوم بتلك الرحلة المكوكية لتونس وتصطحب معها في الزيارة الثانية رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس حكومة هولندا, وقد أفرزت الزيارة الثانية إبرام اتفاقية شراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي, وهذا ما تم الإعلان عنه كما هو حال الاتفاقيات السابقة التي وصفوها بالشراكة وأحاطوها بهالة من الكلمات المنمقة والبراقة, والتي تعطي انطباعا بأن العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. من هذا الجانب لا جديد يذكر, فالشعارات ذاتها والخطب نفسها, ولا يخلو خطاب أو بيان من كلمة شراكة ومشترك. لكن على أرض الواقع تنتفي هذه الشراكة ولا تحضر إلا مصالح تلك الدول الاستعمارية ولا تجني تونس ومثيلاتها من الدول الضعيفة والفقيرة إلا النزر القليل من المعونات المذلة, والبعض من الفتات.

قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي إنّ الاتحاد سيدعم تونس بما قيمته مائة مليون يورو مقابل اضطلاعها بدور حرس الحدود ومنع تدفق المهاجرين السريّين للأراضي الايطالية, وليس هذا فحسب بل مقابل ذلك المبلغ ستكون تونس وعاء يحتوي كل من هاجر سرّا إلى أوروبا مهما كانت جنسيته, وهذا ما أكده حديث وزير الداخلية الإيطالي عن توفر الأمن في تونس وانعدامه في ليبيا, ولهذا وقع الاختيار على تونس لتكون حاضنة للمهاجرين غير النظامّيين من مختلف البلدان الإفريقية. قد يقول القائل إنّ المبلغ الذي سيقدمه الاتحاد الأوروبي لتونس زهيد ولا يمكنه بأي حال من الأحوال تغطية كلفة حراسة الحدود وإيواء جحافل المهاجرين ممّا يقوي من موقف الرئيس « قيس سعيد » الرافض لجعل تونس حرس حدود لدى أوروبا ومأوى للمهاجرين. نعم هذا صحيح لكن في الظاهر فقط, فقيس سعيد عبّر تكرار ومرارا عن رفضه إملاءات صندوق النقد الدولي لكنه ترك الحبل على الغارب لحكومته لتتفاوض بل لتلهث وراء التفاوض مع الصندوق, كما أن حكومته تقبل بشكل دوري المعدات الأوروبية التي تعترض بها قوارب المهاجرين الذين ترجعهم بشكل يومي إلى شواطئ تونس, وتستقبل أيضا المرحّلين من قبل إيطاليا وفرنسا قسرا عبر مطار طبرقة, كما أن من أوكد مهام رئيسة الحكومة الايطالية هو حشد الدول الأوروبية للضغط على صندوق النقد ليفرج عن القرض الذي تأمل الدولة التونسية الحصول عليه, أو على جزء منه على الأقل.

فمسألة الهجرة السرية تقض مضاجع القادة الأوروبيين ولابد من إيجاد حل عاجل وجذري لهذه المعضلة. والحل في نظرهم هو جعل تونس ذلك الشرطي الأمين والذي يؤدي عمله بكل تفان وإخلاص ويمنع عبور قوارب المهاجرين نحو أوروبا, إضافة إلى جعل الأراضي التونسية مستقرا لمن تمكن من ولوج أوروبا وتعكير صفو سكانها ومزاحمتهم العيش الرغيد هناك. لكن هذا الحل يصطدم بعقبة كأداء وهي تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس, فالدولة غير قادرة وعاجزة تماما عن رعاية شؤون الناس مما دفع عشرات إن لم نقل مئات الآلاف منهم إلى ركوب البحر والهجرة إلى أوروبا. وأعداد الفارين من ضنك العيش وشظفه في ازدياد مطرد ولا سبيل لوقف هذا التدفق إلا بتحسين ظروف العيش وتوفير الرفاه لأهل تونس. ويعد هذا الأمر بعيد المنال لأسباب عدة, من أهمها تفريط الدولة في الثروات والتهميش المتعمد للفلاحة والصناعة حتى نبقى تحت رحمة التوريد المهين, وفي تبعية دائمة للقوى الاستعمارية.

إذن, فما هو الحل؟ الحل يكمن في ضغط الاتحاد الأوروبيّ على صندوق النقد الدولي لمنح تونس القرض الذي تطلبه الدولة التونسية. لكن صندوق النقد هذا يضع شروطا مجحفة رفضها الرئيس « قيس سعيد » لا لشيء إلا لكونه يخشى من ثورة شعبية تزيحه من كرسي يجلس عليه بالوكالة. في هذه الحالة الخاسر هو الاتحاد الأوروبي الذي يريد جعل تونس حارسا أمينا لحدوده ومن دون حصولها على القرض لا يمكن لها أن تضطلع بهذه المهمة. لذا على صندوق النقد الدولي أن يتنازل عن بعض شروطه وخاصة تلك التي يرفضها الرئيس « قيس سعيد ». الصندوق يصرّ على شروطه و »سعيد » متشبث بالرفض. هنا لابد من الالتجاء للجهة صاحبة الأمر والنهي والتي بيدها مفاتيح صندوق النقد الدولي, إنها أمريكا. لا يمكن لأية دولة أن تحصل على قرض من صندوق النقد الدولي دون أن تضمن فيه أمريكا, وعليه فتونس لن تحصل على القرض إلا بمباركة « العم سام ». ولهذا التقى وزير الخارجية الايطالي مع نظيره الأمريكي « لحلحلة » إن صح التعبير الأزمة بين الصندوق والرئيس « قيس سعيد », فلقد أكد الوزير الإيطاليّ على حاجة تونس الملحة للقرض وبمعنى أوضح وأدق بيّن للجانب الأمريكي حاجة أوروبا عموما وايطاليا خصوصا للقرض الذي ستحصل عليه تونس, فبفضله ستقبل السلطة في تونس بكل ما تطلبه منها دول الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بموضوع توطين المهاجرين غير الحاملين للجنسية التونسية.

الجهود التي تبذلها ايطاليا لتحصل تونس على القرض المشؤوم من صندوق النقد الدولي تخدم أوروبا في الأول والآخر, وعليه من واجب أمريكا أن تقدم خدمة لشريكها في الحرب الروسية الأوكرانية. فما تقدمه أوروبا من دعم لأوكرانيا خدمة لمصالح أمريكا أرهقها اقتصاديا بالشكل الذي يجعلها غير قادرة على تحمل أعباء اقتصادية أخرى يسببها تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أراضيها, كما أنها لم تتعاف بعد من مخلفات جائحة كورونا, علاوة عن الأزمات الأخرى التي مردّها النظام الرأسمالي بذاته. لذا على أمريكا أن تصدر أوامرها لصندوق النقد الدولي ويؤجل بعض الشروط التي يرفضها « قيس سعيد », مقابل تنازل « سعيد » عن رفضه لتوطين المهاجرين غير الحاملين للجنسية التونسية, ويتم تفعيل الشراكة المعلنة بين تونس والاتحاد الأوروبيّ حيث ستبذل تونس قصارى جهدها في حماية حدود إيطاليا البحرية ولن تسمح بتدفق المهاجرين إلى أراضيها. مقابل حفنة من اوروات لا تسمن ولا تغني من جوع.

فالاقتراض والتعويل على المنح والمساعدات من الدول الاستعمارية يعمق الأزمة بدل حلها ويكرس التبعية لها. ولن تخرج من دوامة الارتهان لدول نهبت خيراتنا  وتتحكم في مصائرنا وكلما اقتضت مصالحها عقد مع بلادنا شراكات جديدة  لتمعن في نهبنا وتحكم قبضتها على بلادنا أكثر من ذي قبل خاصة في ظل وجود أمثال قيس سعيد وريث معمر القذافي فهو يقول ما يجب أن يكون ويفعل ما لا يجب فعله..

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )