(جزيرة أبستاين) فخّ الموساد لاصطياد السّاسة والمؤثّرين وصنّاع القرار

(جزيرة أبستاين) فخّ الموساد لاصطياد السّاسة والمؤثّرين وصنّاع القرار

ما إن ودّعنا سنة 2023 على وقع جرائم كيان يهود الدمويّة المروّعة في حقّ أطفال غزّة، حتّى استقبلنا سنة 2024 بفضيحة جنسيّة أخلاقيّة مدوّية تستهدف القصّر بالاغتصاب والتّعذيب والطقوس الشّيطانيّة: نفس الضحيّة (شريحة الطّفولة) لنفس الجاني (كيان يهود) إمّا في شخص جيش دفاعه (تساحال) أو في شخص جهاز مخابراته (الموساد)..ولئن كان الحدث الأوّل لا يُستغرب من مأتاه بوصفه ديدن يهود، فإنّ الرّيبة في الحدث الثّاني تكمن في توقيته وفجائيّته: فدون مقدّمات وفي تزامن مريب مع أحداث غزّة، طفت مجدّدا على سطح الأحداث السياسيّة فضيحة (بيتزا غايت) المتعلّقة بوكر البيدوفيليا والاتّجار بالأطفال (جزيرة أبستاين)، وذلك بعد أن سمحت المحكمة الفدراليّة بنيويورك بالإفراج عن الوثائق المتعلّقة بها وتنزيلها على النتّ لتكون في متناول الجميع: طوفان من الوسائط والإثباتات والشّهادات والتّسجيلات الصوتيّة والفيديوهات المصوّرة ومحاضر البحث والاستنطاق (قرابة الألف صفحة)، إلى جانب الإيمايلات المقرصنة ورسائل موظّفيّ وكالة الاستخبارات الأمريكيّة وحجوزات الطيران الخاصّة بطائرة أبستاين (لوليتا إكسبرس)..وما هي إلاّ أن اكتسحت هذه الفضيحة العالمين ـ الواقعيّ والافتراضيّ ـ لتحقّق أعلى تراند وتتناولها تقارير كبرى وسائل الإعلام العالميّة بالتّحليل والتّمحيص، ما حوّلها بين عشيّة وضحاها إلى قضيّة رأي عام سياسيّ عالميّة.

وفي الواقع فإنّ أهميّة هذا الحدث وخطورته تكمن في معطيين اثنين: الأوّل تلك الممارسات السّادية المغرقة في الشّذوذ والطّقوس الشّيطانيّة المقرفة المسلّطة على الأطفال القصّر، أمّا الثّاني فهو قائمة المشاركين في تلك الأفعال الشّاذة المشينة والتي تضمّ علية القوم من السّاسة والمشاهير والمؤثّرين وصنّاع القرار..وهكذا معادلة مغرية (ساسة/فضائح) تجعل من الموساد يدخل على الخطّ لغاية في نفس أبناء يعقوب..

جزيرة أبستاين

لئن اختلفت أسماؤها (جزيرة الخطايا ـ جزيرة المتعة ـ جزيرة الشّيطان ـ الجزيرة الملعونة..) فإنّ مسمّاها واحد: إحدى جزر فرجين بالبحر الكاريبي وتنسب إلى مالكها الملياردير الأمريكي من أصول يهوديّة (جيفري أبستاين)، وهو شخص من ذوي الميولات الجنسيّة البيدوفيليّة والشّاذّة، استغلّ ثروته الطّائلة لتلبية نزواته السّاديّة المتمثّلة في ممارسة الجنس الشّاذ والعنيف مع الأطفال والقصّر من الجنسين..انكشف أمره سنة 2005 حيث حاول مراودة طفلة (14 سنة) على شواطئ (بالم بيتش فلوريدا)، وقد اشتكاه أهلها فأوقف وأثبتت التحريّات معه أنّه تحرّش أيضا بـ36 قاصرا أخرى..بعد 13 شهرا من السّجن أطلق سراحه في صفقة تسوية مشبوهة بتدخّل من الصّهيونيّ (روبرت ماكسوال) مالك صحيفة (دايلي ميرر) شخصيّا..إثر ذلك قرّر أبستاين توسيع (نشاطه) وإحاطته بالسريّة والكتمان، فربط علاقات مع عبدة الشّيطان واشترى جزيرتين صغيرتين مهجورتين خصّص إحداهما لأفعاله المشينة وحوّلها إلى مكان لأقذر أنواع الجرائم على وجه الأرض، حيث تُعقد (حفلات البيتزا) التي يُمارس فيها الشّذوذ الجنسيّ مع الأطفال القصّر إناثا وذكورا بساديّة مقرفة: فيتمّ اغتصابهم وتعذيبهم والاعتداء عليهم بوحشيّة وترويعهم وصولا إلى قتلهم وامتصاص دمائهم..ثمّ أخذ أبستاين يستقطب لحفلاته الماجنة تلك علية القوم من رجال السياسة والمال والأعمال يتولّى نقلهم إلى جزيرته بطائرته الخاصّة (لوليتا إكسبرس)، ولمزيد الحيطة كان يتواصل مع أعوانه وضيوفه برسائل مشفّرة تعلمهم بالموعد والمكان وتصنّف الأطفال حسب الجنس والعمر (بيتزا ـ نقانق ـ هوت دوغ ـ محلّ بيتزا ـ حفلة بيتزا..)، وسرعان ما تمدّد عالميّا وأصبح رقما أساسيّا صعبا في متعة المشاهير..سنة 2019 وبعد مسار حافل من القذارة والإجرام تمّ القبض عليه متلبّسا وأودع السّجن بتهم الاتّجار بالجنس واغتصاب قصّر..وأثناء انتظاره المحاكمة قيل إنّه انتحر في زنزانته، ولكن يُرجّح أنّه قُتل لدفن الأسرار والفضائح، وقد سمّيت هذه الحادثة في وسائل الإعلام بفضيحة البيتزا (بيتزا غايت)..

(الأدرينوكروم)

شيئا فشيئا، وبقوّة المال والعلاقات أصبحت جزيرة الخطايا هذه قطبا جذّابا لعشّاق جنس الأطفال (بيدوفيليا) ومركزا عالميّا لتجارة الرّقيق القاصر ووكرا لشبكة دوليّة في التّجارة الجنسيّة بالأطفال من الجنسين، ينقلون إليها بمختلف الأعمار (من شهر واحد إلى 16 سنة ؟؟) إمّا خطفا أو شراء، ويقدّمون قربانا لنزوات علية القوم السّادية الشّاذّة يخضعونهم للاغتصاب والتّعذيب والشّذوذ والقتل والطّقوس الشّيطانيّة..بهذه الكيفيّة يُفتقد سنويّا أكثر من 08 ملايين طفل في العالم، منهم قرابة المليون بالولايات المتّحدة الأمريكيّة وحدها..أمّا أفظع ما يتعرّض له هؤلاء القصّر الأبرياء فهو امتصاص دمائهم واستهلاكها، حيث يتمّ التّضحية بهم من أجل (الأدرينوكروم) الموجود في دمائهم: هذه المادّة يُطلق عليها (إكسير الشّباب) ويقال إنّها مادّة مقوّية محافظة على الصحّة والبصر والنّضارة والشّباب، تشحن شاربها بطاقّة جبّارة وتزوّده بقوّة جسمانيّة وقدرة كبيرة على ممارسة الجنس، فتطيل بالتّالي الأعمار وتجعل الإنسان يبدو أصغر سنّا..لكن المعضلة أنّ هذه المادّة لا تتكوّن في دماء الأطفال إلاّ إذا تعرّضوا للألم والرّعب: وعليه يُحتجز الأطفال ويقيّدون ويقع الاعتداء عليهم بالضّرب طيلة اليوم من الصّباح إلى المساء لكي يخافوا ويصرخوا ويتألّموا، وكلّما زاد رعبهم وألمهم كان أدرينوكرومهم أجود، فيجب أن يتألّم هؤلاء الصّبية ويخافوا إلى أقصى الحدود لكي يصبح أدرينوكرومهم بالجودة المطلوبة..وبعد تلك الممارسات الوحشيّة تُسحب منهم دماؤهم وتباع إلى من يرغب في تجديد شبابه من علية القوم، حيث تعقد لهم حفلات شرب الدّماء وحمّامات الدّماء بطقوس شيطانيّة وملابس تنكّريّة..وقد نقلت لنا وثائق أبستاين مشهدا دراكوليّا مقزّزا من داخل القصر الملكي البلجيكيّ، يظهر فيه أحد الأمراء بصدد أخذ حمّام دم بينما تتدلّى من سقف الحجرة جثث أطفال معلّقة في مخاطيف حديديّة..نعم، إلى هذا الحضيض انحدرت الحضارة الغربيّة..

قائمة خطيرة

 لقد كان بالإمكان غلق ملفّ هذه القضيّة بـ(انتحار/قتل) المجرم جيفري أبستاين، لكن تبيّن أنّ لها أثرا مستمرّا يخالف القانون، يتمثّل في قائمة طويلة بأسماء من تمّ ذكرهم في وثائق القضيّة: فهؤلاء ـ وإن لم تقع إدانتهم كلّهم ـ يدخلون إمّا قانونيّا في دائرة الاتّهام أو اجتماعيّا في دائرة الوصم والعار والتّشهير الأخلاقيّ، ما يعرّض حاضرهم ومستقبلهم وسمعتهم وطموحاتهم للخطر المحدق، فمن المصلحة العليا لمنتسبيها أن تبقى هذه القائمة الحمراء طيّ الكتمان..فجيفري أبستاين بوصفه مليارديرا وشخصيّة مرموقة في عالمي المال والأعمال، له بطبيعته علاقات واسعة بالنّخب السياسيّة والفنيّة والإعلاميّة والماليّة، إن لم يكن ذلك بالفعل فبالقوّة، وقد تدعّمت تلك العلاقات وتوسّعت بعد فتحه لوكر البيدوفيليا: فقد كشف جرد لزوّار جزيرته وروّاد قصره ومكاتبه ومستقلّي طائرته الخاصّة، عن قائمة من 180 شخصا لهم صلة مباشرة به وبنشاطه المشبوه، تضمّ بعض أكبر وأشهر وأقوى الأشخاص في العالم: شخصيّات مرموقة ومشاهير من عالم السّياسة (دونالد ترامب ـ أوباما ـ جو بايدن ـ بيل وهيلاري كلينتون ـ آل غور ـ إيهود باراك ـ الأمير أندرو..) وعالم الفنّ (مايكل جاكسون ـ مادونا ـ سيلين ديون ـ ريهانا ـ ليدي غاغا..) وأبطال هوليود (جورج لوكاتش ـ كيفن سبايسي ـ ليوناردو دي كابريو ـ كامرون دياز ـ جورج كلوني ـ أنجلينا جولي ـ كيت بلانشيت ـ توم هانكس ـ ستيفن سبيلبيرغ..) ونجوم المجتمع (بيل غيتس ـ  ستيفن هوكنغ ـ أوبرا وينفري ـ باريس هيلتون ـ نعومي كامبل ـ كارداشيان..)، بل إنّ أعلى هرم الكنيسة الكاثوليكيّة البابا فرانسيس سجّل حضوره وتمّ ذكره أكثر من مرّة في وثائق أبستاين، وما خفي كان أعظم..وإنّ هكذا قائمة بما تضمّه من علية القوم والمؤثّرين وصنّاع القرار، هي لعمري قنبلة قضائيّة حقوقيّة أخلاقيّة موقوتة يوشك أن تنفجر في وجوه منتسبيها فتهزّ صورتهم وتقضي على أحلامهم وطموحاتهم..وفي المقابل فهي أداة ضغط وابتزاز سياسيّ قويّة وفعّالة في يد من يمتلكها، لاسيّما إذا كان من طينة الموساد الإسرائيليّ..

الموساد على الخطّ

من أبجديّات السياسة بمفهومها البراغماتي المكيافلّي، أنّ التحكّم في الأوساط السياسيّة وإخضاعها يقتضي إمّا تأثيثها ابتداء بأراذل النّاس والأشخاص الفاقدين لأدنى رصيد من القيم والمبادئ، أو تزويد أطقمها الفعليّة بنقاط ضعف و(دوسيّات) أخلاقيّة يُبتزّون بها عند الحاجة وتُحرق بها أوراقهم إذا اقتضى الأمر، وبذلك يتيسّر توظيف تلك الأوساط واستعمالها بما يفضي إلى توجيه السياسة العامّة للدّولة المستهدفة..وبحكم أنّهم أقليّات مستضعفة مبثوثة في ثنايا شعوب معادية لهم، فقد برع اليهود في اعتماد هذه المعادلة الشّيطانيّة بما مكّنهم من السّيطرة على مضيفيهم ودفعهم حتّى لتبنّي أمانيهم التّوراتيّة (أرض الميعاد ودولة إسرائيل)، وما حادثة الحال إلاّ نموذج عمليّ لهذه المعادلة لا يخلو من بصمات جهاز المخابرات الإسرائيليّ: فالصّهيونيّ (روبرت ماكسوال) هو من قدّم جيفري أبستاين للموساد بوصفه قهرمانا وضيعا مؤهّلا للمهمّات القذرة، فاستقطبه منذ سنة 2005 ومكّنه من الغطاء الأمنيّ لـ(إمبراطوريته البيدوفيليّة) وكلّفه بمهمّة إسقاط زوّار جزيرته وتوثيق سلوكيّاتهم المشينة صوتا وصورة بما يكشف نقاط ضعفهم ويفضح أسرارهم ويفقدهم مناعتهم السياسيّة ويجعلهم تحت طائلة الوصم والتّشهير..فقضيّة (بيتزا غايت) هي عمليّة استخباراتيّة في شكل فخّ لاصطياد السّاسة وصنّاع القرار والإيقاع بالإعلاميّين والمشاهير والمؤثّرين والفنّانين، ثمّ إخضاعهم للابتزاز والتّهديد والضّغط حتّى يصبحوا أدوات طيّعة بيد يهود يفرضون بهم خياراتهم محليّا إسرائيليّا ودوليّا غربيّا..ودونكم قائمة وثائق أبستاين، فهي تغطّي مؤسّسة الرّئاسة ومؤسّسة السينما (هوليود) بأمريكا، بما يمكّن من التحكّم في السياسة الدوليّة وتوجيه الرّأي العام العالمي..وقد اعتمدها الرّئيس الرّوسي بوتن سنة 2016 لمساعدة ترامب في الانتخابات، حيث فضح منافسته هيلاري كلينتون الموجودة في القائمة وشنّ عليها هجوما سبرانيّا فخسرت الانتخابات بعد أن كانت مرشّحة بقوّة للفوز..

توقيت مدروس

ولكن لماذا لم يُفرج عن تلك الوثائق إلاّ بتاريخ جانفي 2024 أي بعد أربع سنوات من وقوع القضيّة (2019)، وهل لهذا التّوقيت علاقة بأحداث غزّة..؟؟ قد يتبادر إلى الذّهن أنّ تسريب هذه الفضائح الغرض منه إلهاء الرّأي العامّ العالميّ وتحويل وجهته عن فظائع يهود وإجرامهم في غزّة، ولكن بمزيد تحقيق مناط الحادثة يتبيّن لنا أنّ الأمر أعقد وأخطر من ذلك: فالمادّة المصوّرة كانت تصل إلى جهاز الموساد الذي يخزّنها بقواعده الاستخباراتيّة في إسرائيل..يوم 07 أكتوبر 2023 خلال أوّل أيّام عمليّة طوفان الأقصى، اقتحمت المقاومة أربعا من تلك القواعد منها واحدة هامّة وخطيرة جدّا، وقد أخذوا منها كلّ الوثائق..وعلى ما يبدو فقد وقعت بيد حماس معلومات استخباراتيّة وأمنيّة مصنّفة سرّي جدّا، ومن ضمنها المتعلّقة بوثائق أبستاين، وهي ورقة ضغط قويّة وخطيرة بيد المقاومة تتجاوز بتبعاتها كيان يهود لتطال من يحتضنه ويرعاه..إزاء هذه الوضعيّة ومع تعثّر العمليّات العسكريّة، لا مفرّ من حركة استباقيّة لإلغاء قيمة تلك الوثائق وإفقادها عنصر الجدّة والمفاجأة، ولسحب البساط من تحت المقاومة..ولكنّ الموساد لم يسرّب من القائمة إلاّ الجزء المتعلّق بأمريكا، وقد يكون ذلك في سياق الضغط المتبادل والتنطّع الإسرائيليّ. كما وقع التكتّم على الشّخصيّات العربيّة المتورّطة في القضيّة، وثمن ذلك معلوم من المواقف العربيّة المخزية من أحداث غزّة. نعم يا سادة: بهذه الكيفيّة الحقيرة تدار السياسة الدوليّة..

أبو ذرّ التونسيّ (بسّام فرحات)

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )