زيادة حدة التوتر بين الجزائر والمغرب: ما الغاية منه؟ وما الحيلولة دونه؟

زيادة حدة التوتر بين الجزائر والمغرب: ما الغاية منه؟ وما الحيلولة دونه؟

في الأيام الأخيرة قام الإعلام الجزائري بالتهجم على المغرب وتعرضه للنساء المغربيات ضمن حملة وسم « نقطة اللاعودة » وهو اقتباس من مقابلة سابقة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما تحدث عن العلاقات مع المغرب بأنها وصلت إلى مرحلة اللارجوع. وهذه حملة مقصودة تنطلي على كثير من الناس الذين ينفعلون فورا من مجرد مهاجمة الطرف الآخر لهم، ولا يحكمون عقولهم ويفكرون في أبعاد هذه الحملة ومراميها، وأحيانا يقع فيها أناس تحسبهم من الواعيين. فالنظامان في البلدين يتعمدان زيادة حدة التوتر بينهما لتنفيذ سياسات خبيثة لحسابهما بدون وعي الكثير من الناس على هذه السياسات فينساقون وراء هذه الحملات المغرضة. 

فقد تعمدا إغلاق الحدود بينهما منذ عام 1994. فليس من المعقول أن تبقى الحدود مغلقة طوال مدة 30 عاما تقريبا، وهما بلد واحد وشعبهما شعب واحد، مسلم موحد لله، وذلك بفعل هذا التقسيم البغيض للبلدين والنظام البغيض في كل منهما. ويتهم كل طرف الآخر بمختلف التهم ويعمل كل طرف على إثارة أمور لا جدوى منها، سوى تنفيذ تلك السياسات الخبيثة. 

فلنعطي بعض الأمثلة على هذه الأعمال المقصودة المتعمّدة:

 فمثلا: استدعت الخارجية الجزائرية سفير المغرب لديها احتجاجا على وصف القنصل المغربي في مدينة وهران الجزائرية في ماي 2020 بأن الجزائر بلد عدو، واعتبرت القنصل شخصا غير مرغوب فيه. وفي 15\7\2021 دعا السفير المغربي لدى الأمم المتحدة إلى استقلال شعب القبائل في الجزائر، فاستدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب للتشاور. فهذه أعمال مقصودة لا يمكن أن يقوم بها القنصل والسفير المغربيين إلا بأوامر عليا من الملك.  

وحدث أن قام وزير خارجية كيان يهود بزيارة للمغرب، ومن هناك اتهم الجزائر يوم 11\8\2021 هاجم الجزائر بشكل مقصود، مما زاد من توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب. فلماذا يسمح النظام المغرب لوزير كيان العدو بالهجوم على الجزائر؟ بل لماذا يسمح له بزيارة المغرب؟ ولماذا يطبع العلاقات مع كيان يهود المغتصب لفلسطين والذي يمارس القتل والتعذيب والتهجير والتشريد لأهلها المسلمين ويدمر بيوتهم ويسمح لقطعان اليهود بتدنيس المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين؟!

فالنظام المغربي بقيادة الملك يتعمد توثيق العلاقات مع كيان يهود المغتصب لفلسطين غير مكترث بمشاعر شعبه المسلم وشعوب الأمة الإسلامية وآخرها السماح بإجراء مناورات باسم « الأسد الأفريقي » على أراضيه تقودها أمريكا ويشارك فيها جنود من كيان يهود لأول مرة وتبدأ من 5\6\2023 ذكرى استيلاء كيان يهود على الضفة الغربية بما فيها القدس والجولان وسيناء وغزة. وهؤلاء الجنود ينتمون للواء جولاني وهو أحد ألوية النخبة للعدو حيث يقوم بمهام قذرة في الداخل والخارج ضد أهل فلسطين خاصة والمسلمين عامة. وفي الوقت نفسه يقوم رئيس الكنيست (البرلمان اليهودي) أمير أوحانا بزيارة المغرب لأول مرة بدعوة رسمية من رئيس البرلمان المغربي ومن المتوقع أن يبرم عددا من اتفاقات التعاون البرلمانية المشتركة. 

وقد عزز النظام المغربي علاقاته العسكرية والأمنية مع كيان يهود حيث عقد العديد من الاتفاقيات للتعاون الأمني والعسكري. فقد أعلن جيش كيان يهود يوم 16/2/2023 أن « القائد الأعلى لسلاح المدفعية المغربي محمد بنوالي يجري زيارة إلى (إسرائيل). وذكر أنها أول زيارة لهذا القائد وأن الزيارة تأتي في إطار تثمين التعاون والعلاقة بين سلاحي المدفعية (الإسرائيلي) والمغربي » دون أن تحدد مدتها. وذكر أن « البعثة المغربية جالت على مواقع عسكرية عدة للتعرف عن كثب على التحديات الميدانية العسكرية لسلاح الدفاع (الإسرائيلي) »، علما أن المفتش العام للقوات المسلحة المغربية بلخير الفاروق قام بزيارة، وصفت بأنها غير مسبوقة، كيان يهود يوم 12/9/2022. ويظهر أن النظام المغربي بقيادة الملك محمد السادس يتصرف وكأن كيان يهود طبيعي وليس مغتصبا لفلسطين ولا يقتل أبناء فلسطين ويصادر أراضيهم ويهدم بيوتهم ويعتقل أبناءهم من الأطفال إلى النساء إلى الشباب بكل تعسف ويسجنهم لعشرات السنين في ظروف قاسية. ويظهر أنه غير مكترث بردات فعل الأمة وسخطها عليه، ويحسب أن الله غافل عما يفعل الظالمون حتى يأتيهم العذاب.

حدث أن أصدر الديوان الملكي في المغرب بيانا يوم 13/3/2023 حذر فيه حزب العدالة والتنمية المغربي من التدخل في السياسة الخارجية حيث هي من صلاحيات الملك ولا يسمح لأحد الاعتراض عليه أو محاسبته، فهو فوق القوانين، لا يسئل عما يفعل فقد ألّه نفسه. فقد اعتبرها « تجاوزات غير مسؤولة ومغالطات خطيرة فيما يتعلق بالعلاقات بين المغرب ودولة (إسرائيل) وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك باعتباره أميرا للمؤمنين ورئيسا للجنة القدس ».

وشدد البلاغ على أن « العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لا سيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة ».

وقال البيان الملكي إن « استئناف العلاقات بين المغرب و(إسرائيل) تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10/12/2020 والبلاغ الذي نشر في اليوم نفسه عقب الاتصال الهاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس الفلسطيني محمود عباس وكذلك الإعلان الثلاثي في 22/12/2020 والذي تم توقيعه أمام الملك ». وأوضح البيان أنه « تم حينها إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به ».

وكان حزب العدالة والتنمية قد أصدر الأسبوع الماضي، يوم 9/3/2023 بيانا قال فيه: « نستهجن المواقف الأخيرة لوزير الخارجية المغربي الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية في وقت يواصل فيه الاحتلال (الإسرائيلي) عدوانه الإجرامي على الفلسطينيين »، علما أن حزب العدالة والتنمية هو الذي ارتكب الخيانة بأمر من الملك ووقع اتفاقية التطبيع مع كيان يهود يوم 10/12/2020، والآن يريد هذا الحزب أن يرقع الخرق الكبير الذي أحدثه، وقد سقط سقوطا مدويا على إثر ذلك في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021، فهوى من 124 نائبا إلى 12 نائبا، وقد أدرك الناس أنه كغيره من الأحزاب المشاركة في الحكم كان خادما لسياسات الملك الداخلية والخارجية! ويؤكد ذلك أن رئيس الحزب عبد الإله بن كيران أصدر تعميما دعا كافة أعضائه إلى عدم تقديم أي تصريح حول بيان الديوان الملكي إلى حين اجتماع الأمانة العامة للحزب لتدارس الموضوع، وذلك خوفا من أن يخالف سياسات الملك الخيانية.

ومن جانب النظام الجزائري لزيادة حدة التوتر قام يوم 23\7\2021 وادّعى أن المغرب يستخدم برنامج التجسس اليهودي بيغاسوس ضد مسؤوليه وقدم احتجاجا على ذلك، بينما نفى المغرب هذا الإدعاء. فهذا عمل مقصود منه استمرار التوتر بين البلدين. وفي 31\7\2021 أعلن ملك المغرب استعداده للتصالح وإنهاء الخلافات مع الجزائر، ورد عليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 8\8\2021 بالإيجاب ولكن طلب توضيح موقف المغرب من منطقة القبائل، وذلك ذريعة لرفض التصالح حتى تبقى العلاقات متوترة لتخدم النظام في الجزائر المرفوض شعبيا حيث جرت احتجاجات وأسقطت عبد العزيز بوتفليقة وجيء بعبد المجيد تبون وجرت انتخابات لتضفي عليه شرعية رفضها الناس، فيلزم للنظام الجزائري أن يرحّل مشاكله إلى الخارج ويلهي الناس بشيء مما يصرفهم عن مواصلة احتجاجاتهم على النظام ورجاله الفاسدين وقد استغل مسألة كورونا عام 2020 لمنع التجمعات والاحتجاجات.

في 18\8\2021 اتهم الرئيس الجزائري المغرب بقيامه بأعمال عدائية متواصلة وطلب إعادة النظر في العلاقات معه وتشديد الرقابة الحدودية. إلى أن جاء يوم 24\8\2021 ليعلن وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة قطع العلاقات مع المغرب. وقال « ثبت تاريخيا أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر عام 1962 » ساردا الأحداث منذ حرب 1963 التي خلفت مقتل ما لا يقل عن 850 جزائريا. إلى عملية التجسس الأخيرة باستخدام برنامج بيغاسوس اليهودي. وحمّل « قادة المغرب مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها » واعتبر « التصرف المغربي يجر إلى الخلاف والمواجهة بدل التكامل في المنطقة المغاربية » (فرانس برس 24\8\2021). واتهم المغرب بالتورط في الحرائق التي اجتاحت شمال البلاد وبدعمها لمنظمتين انفصاليتين اتهمتهما الجزائر بإشعال الحرائق. وفي 22\9\2021 أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام كل الطائرات العسكرية والمدنية المغربية وبررت قرارها باتهام المغرب مواصلة استفزازاتها وممارساتها العدائية. وكل ذلك تلاعب لإخفاء الأدوار التي يقوم بها كل نظام وليشد أعصاب الناس نحو هذا التوتر في العلاقات. فيريد المغرب حسب خطة بريطانية احتواء الحركات الانفصالية من الأمازيغ وتحول دون وصولها لأهدافها والتي تدعمها فرنسا بشكل مباشر، بينما تقوم الجزائر وتظهر دعما لحركة البوليساريو منذ تأسيسها عام 1973، فحالت دون أن تحقق هذه الحركة أهدافها الانفصالية، ويصب دعم الجزائر لها في مصلحة المغرب حيث تم ضم الصحراء عام 1975 بعد انسحاب إسبانيا منها. 

أذاعت وكالة الأنباء الجزائرية يوم 31\10\2021 أن « الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمر الشركة الوطنية (سوناطراك) بوقف العلاقة التجارية مع المغرب وعدم تجديد عقد مد الغاز الطبيعي لإسبانيا عبر المغرب والذي ينتهي منتصف ليلة 31 أكتوبر 2021 » وبرر ذلك « بالممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية تجاه الجزائر ».

 فالنظام الجزائري كالنظام المغربي يتقصد أن تبقى العلاقات متوترة للإبقاء على الحدود مقفلة ولإبعاد الناس بعضهم عن بعض وإشغالهم ببعضهم البعض فيصبح الناس مدافعين عن أنظمة فاسدة كانوا يريدون إسقاطها، وحتى إذا حدث تغير في بلد لا ينعكس على الآخر، فيبقى كل نظام محصنا من التغيير. فالنظامان في الجزائر والمغرب سواء على مستوى رسمي أو بواسطة الإعلام أو بواسطة أناس معينين يثيران الفتنة بين شعبي البلدين لينشغلا في التراشق وكيل الاتهامات ضد بعضهما البعض والدفاع لينشغل الناس بعيدا عن النظامين وفسادهما ولا يعملان لإسقاطهما، فبهذه الطريقة يحافظ النظامان على ذاتيهما ومع أنهما شبيهان في الفكر والتبعية السياسية، فيروجان للأفكار الغربية ودساتيرهما غربية بعيدة عن الإسلام وتبعيتهما السياسية للغرب لأوروبا عامة ولبريطانيا خاصة مع تقارب معين من المغرب لأمريكا ليتقي شرها فاعترفت له بأن الصحراء مغربية مقابل تطبيعه مع العدو المغتصب لفلسطين وتطور العلاقات العسكرية باستمرار.

إن بلاد المغرب وحدة واحدة، وتسمى الآن شمال أفريقيا حتى يتم تناسي مشروع الاتحاد المغاربي الذي كانت تتبناه الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، علما أنه كان مشروعا إنجليزيا تبنته تلك الأنظمة القائمة في هذه البلاد، ولم تستطع بريطانيا تطبيقه على الأرض فبقي حبرا على ورق، وصار الآن يركز على اصطلاح شمال أفريقيا. ولقد تشرفت هذه البلاد بالإسلام في القرن الأول للهجرة، ودخل أهلها الأخيار فيه طواعية وحملوا رايته وجاهدوا في سبيله، وأصبحت ولايات ضمن دولة الخلافة، وقام المستعمرون باحتلالها عندما أحسّوا بضعف دولة الخلافة. وقد أعطي لها الاستقلال الشكلي ممزقة إلى دويلات، ولكنها فعلا لم تستقل، إذ إن دساتيرها وأنظمتها وأفكارها وتبعيتها السياسية والاقتصادية والثقافية غربية. فالاستقلال الحقيقي أن تعود كما كانت قبل الاستعمار ولايات إسلامية داخل دولة واحدة، دولة الخلافة الراشدة، تطبق الإسلام بدستور إسلامي مستنبط من الكتاب والسنة، وأنظمة إسلامية وسياسات إسلامية في كافة المجالات. ولهذا فليعمل المخلصون لدينهم ولأمتهم وألا ينساقوا وراء الأعمال التي من شأنها أن تبعدهم عن العمل الجاد والمخلص حتى يفوزوا بالدارين.

« اِنَّ هٰذَا لَهُوَ الۡفَوۡزُالۡعَظِيۡمُ‏ لِمِثۡلِ هٰذَا فَلۡيَعۡمَلِ الۡعٰمِلُوۡنَ »

أ, أسعد منصور

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )