« قيس سعيد » يستثمر في الفشل

« قيس سعيد » يستثمر في الفشل

لا يختلف اثنان حول عجز النظام الديمقراطي عن رعاية شؤون الناس, فهذا النظام عبارة عن أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء وإن حصل وأنبتت شيئا يكون نباتها نكدا لا يغني ولا يسمن من جوع.

هذه الحقيقة لا ينكرها إلا أتباع سامري العصر الحديث الولايات المتحدة الأمريكية وباقي شياطين الغرب من القوى الاستعمارية, صنعوا لهم عجل الديمقراطية فظلوا عليه عاكفين لا يبرحوه ولو للحظة وتركوا شرع الله وما ينفع الناس وراء ظهورهم وحكموا المسلمين بغير ما أنزل الله بعد أن عينتهم القوى الاستعمارية حرسا على أبواب أقفاص وجهور صنعها « سيكس » وشريكه في الجريمة « بيكو » تلك الأقفاص والجحور يسمونها دول. دول لا ترعى شؤون الناس بل هي السبب المباشر في معاناتهم وعذاباتهم, ومع هذا النظام الوضعي العقيم يكون القائمون عليه من أقل الناس كفاءة إلى درجة أنهم عاجزون عن تسيير حظيرة فما بالك بدولة؟ فيزداد الطين مع وجود هؤلاء الحكام بلة وتسوء الأوضاع أكثر فأكثر, ومن أبرز الأمثلة على هذه النوعية العاجزة عن حل ابسط المشاكل وأيسرها الرئيس التونسي الحالي « قيس سعيد » هذا الذي جيء به في غفلة من الجميع وفرح بقدومه الكثيرون لكونه لا ينتمي للطبقة السياسية المعروفة ولم يسبق له أن تقلد أي منصب ولم ينخرط من قبل في أي نشاط سياسي.

جرت العادة أن يقوم أي وافد جديد على الحكم ببعض الحركات من باب التنفيس على الناس, فيتوسمون فيه خيرا, ومع مرور الوقت يكتشفون أنه لا فرق بين القديم والجديد إلا من حيث الاسم والشكل. « قيس سعيد » خالف هذا التمشي, فمنذ البداية شنها حربا شعواء على خصومه ومنافسيه على السلطة وبما أن الدولة هي مردّ كل المآسي تدهورت الأوضاع أكثر وبرزت عدة أزمات غير معهودة من قبل على رأسها انعدام العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية. هذا ولم يحرك « قيس سعيد » ساكنا لحل تلك المشاكل واكتفى بكيل التهم لمن سبقوه في الحكم وحملهم مسؤولية كل ما استجد من أزمات. بقى على هذا الحال مدة ثم أراد أن يقرن أقواله بالأفعال, فالناس ملّوا من الكلام ولم يروا تغييرا ملموسا على أرض الواقع.

أفعال الرئيس اقتصرت على الزجّ ببعض خصومه على السلطة في السجن ولو سايروه ولم يصارعوه على كرسي الحكم لما رمى بهم في الزنازين. هو لا يختلف عنهم في شيء فجميعهم نتاج مصانع الاستعمار الفكرية والسياسية مع اختلاف في الغلاف الخارجي واسم البلد المنتج فقط. بعد موجة الاعتقالات بتهمة التآمر على الدولة وأخرى عنوانها التنكيل بالشعب بواسطة الاحتكار والمضاربة الممنوعة, ونحو ذلك لم تتغير الأوضاع المعيشية للناس وازدادت تدهورا. التفت « قيس سعيد » لرجال الأعمال وانتقى أضعفهم في هذه المرحلة وزجّ بهم في السجن.

قبل وبعد كل حملة اعتقالات يخرج علينا الرئيس ويمطرنا بوابل من الكلام الحماسي عن تطهير البلاد من الفاسدين والمفسدين ومن المتآمرين على البلاد, سمعنا الجعجعة ولم نر دقيقا, وهذه الجعجعة أصبحت على ما يبدو سياسة ثابتة عند « قيس سعيد » أو بالأحرى أصبحت الأزمات الأوكسجين الذي يجعل « سعيد » مستمر -سياسيا-, فهو لا يجيد غير الكلام و الكلام الذي يجيده هو النقد والانتقاد وتحميل غيره مسؤولية ما يحدث من مشاكل وأزمات وكأنه لا صلة له بالحكم وليس هو الآمر والناهي ولا يشاركه أحد في السلطة, الرئيس « قيس سعيد » كي يحافظ على شعبيته ويضمن فوزه مجددا في الانتخابات القادمة تحول إلى معارض ينتقد ويندد ويشجب, وفي المقابل لا يفعل شيئا بوصفه هو هرم السلطة والمسئول الأول على البلاد. ونكاد نجزم لو مرّ يوم ولم تظهر أزمة جديدة سيسعى ارئيس إلى اختلاق أزمة ثم يخرج لنا عابس الوجه يرغي ويزبد ويرعد ويبرق من شدة غضبه من الذين يتآمرون على البلاد والمنكلين بالشعب والمتاجرين بقوته.

بعد هدنة قصيرة عاد مؤخرا للحديث عن المحتكرين والمضاربين, عاد من بوابة الزيت العادي المفقود منذ مدة وزيت الزيتون الذي تشهد أسعاره ارتفاعا غير مسبوق, وقريبا سيخرج « قيس سعيد » منتقدا فقدان مادة الحليب وهكذا دوليك, يستمد شرعيته ومشروعيته من ترديد كلام  يصدر من رواد المقاهي لا من رجل دولة مهمته الأولى والأخيرة هي رعاية شؤون الناس, فالمسئول عن فقدان المواد الأساسية هو الرئيس والمسئول عن تدهور البنية التحتية هو الرئيس والمسؤول عن فقدان الأدوية هو الرئيس, لكن الرئيس تنصل من تلك المسؤولية واكتفى بالنقد والانتقاد وكأن الأمر ليس متعلقا به هو رأسا.

نعود من حيث بدأنا سبب كل هذا هو نظام الحكم الوضعي الذي يسمح بوجود هكذا حكام فعمر بن الخطاب مثلا لم يصبح مضرب الأمثال في العدل وفي حسن رعاية شؤون الناس لو لم يتحكم لشرع الله ويحكم في الناس بما أنزل الله كتابا وسنة, فعمر بن الخطاب خشي أن يسأله الله عن عدم تعبيده الطريق لبغلة عثرت ولم يحمل هذا الوزر لغيره ولم يقل زمن حدوث أزمة ما « هناك من » ولم يقل للناس سأفعل وشعار « الشعب يريد » بل فعل وطبق قولا وفعلا مفهوم الله يريد.

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )